من السهل أن تُكسر وتُدمر، ولكن الأبطال هم أولئك الذين يبنون ويصنعون السلام، والكلام لنيسون مانديلا الزعيم الأفريقي البارز في العصر الحديث، كرس عمره لمحاربة نظام الفصل العنصري في بلاده والتمييز على أساس العرق؛ حتى أصبح أول رئيس أسود لبلد عانت لعقود طويلة من سياسات التمييز العنصري. قاوم كثيرًا من أجل تحقيق مبادئه، المتمثلة في استقلال بلاده عن النفوذ الغربي، والمساواة بين جميع المواطنين؛ وتحقيق مبادئ العدل والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ونتيجة لأفكاره تلك واجه السجن والاعتقال لفترات طويلة خلف القضبان، لكنه في نهاية المطاف خرج وأصبح من أهم زعماء ورموز القارة السمراء أفريقيا في التاريخ المعاصر. ولد نيلسون مانديلا في الثامن عشر من شهر يوليو عام 1918م وهو سياسي مناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وثوري شغل منصب رئيس جنوب أفريقيا 1994- 1999م وكان أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، انتخب في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق... ركزت حكومته على تفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية, وهو سياسيا، وقومي أفريقي وديمقراطي اشتراكي، شغل منصب رئيس المؤتمر الوطني الأفريقي إلى 1997م. كما شغل دوليًا منصب الأمين العام لحركة عدم الانحياز في الفترة 1998 - 1999م.. درس مانديلا في جامعة فورت هير وجامعة ويتواترسراند، حيث درس القانون, وعاش في جوهانسبورغ وانخرط في السياسة المناهضة للاستعمار، وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وأصبح عضواً مؤسسا لعصبة الشبيبة التابعة للحزب. مكث مانديلا 27 عاماً في السجن، أولاً في جزيرة روبن آيلاند، ثم في سجن بولسمور وسجن فيكتور فيرستر, وبالموازاة مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية عملت على الضغط من أجل إطلاق سراحه، الأمر الذي تحقق في عام 1990 وسط حرب أهلية متصاعدة. صار بعدها مانديلا رئيساً لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي ونشر سيرته الذاتية وقاد المفاوضات مع الرئيس دي كليرك لإلغاء الفصل العنصري وإقامة انتخابات متعددة الأعراق في عام 1994م وهي الانتخابات التي قاد فيها حزب المؤتمر إلى الفوز. انتخب رئيساً وشكل حكومة وحدة وطنية في محاولة لنزع فتيل التوترات العرقية. كرئيس، أسس دستوراً جديداً ولجنة للحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي... استمر شكل السياسة الاقتصادية الليبرالية للحكومة، وعرضت إدارته تدابير لتشجيع الإصلاح الزراعي ومكافحة الفقر وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية. دولياً، توسط بين ليبيا والمملكة المتحدة في قضية تفجير رحلة بان آم 103، وأشرف على التدخل العسكري في ليسوتو. وامتنع عن الترشح لولاية ثانية، وخلفه نائبه تابو إيمبيكي، ليصبح فيما بعد رجلاً من حكماء الدولة، ركز على العمل الخيري في مجال مكافحة الفقر وانتشار الإيدز من خلال مؤسسة نيلسون مانديلا. أثارت فترات حياته الكثير من الجدل، شجبه اليمينيون وانتقدوا تعاطفه مع الإرهاب والشيوعية. كما تلقى الكثير من الإشادات الدولية لموقفه المناهض للاستعمار وللفصل العنصري، حيث تلقى أكثر من 250 جائزة، منها جائزة نوبل للسلام 1993 وميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية ووسام لينين من الاتحاد السوفييتي. ويتمتع مانديلا بالاحترام العميق في العالم عامة وفي جنوب أفريقيا خاصة، حيث غالباً ما يشار إليه باسمه في عشيرته ماديبا أو تاتا، وفي كثير من الأحيان يوصف بأنه «أبو الأمة». عند بدئه لدراسات القانون في جامعة ويتواترسراند، كان مانديلا الأفريقي الأصل الوحيد في الكلية، فواجه العنصرية، وصادق الليبراليين والشيوعيين والأوروبيين واليهود والطلاب الهنود، وأمضى الكثير من الوقت مع ناشطين آخرين في بيت سيسولو في أورلاندو، من بينهم صديقه القديم أوليفر تامبو. في عام 1943، التقى مانديلا بالقومي الأفريقي أنطون لمبدي وهو معارض بشدة للجبهة العرقية المتحدة ضد الاستعمار والإمبريالية أو التحالف مع الشيوعيين. معتقدًا بأنه يجب على الأفارقة السود أن يكونوا مستقلين تمامًا في كفاحهم من أجل تقرير المصير السياسي. في أوائل خمسينيات القرن العشرين، كان منديلا متأثرا بأفكار التيار اليساري المكافح للاستعمار، والذي ضم كارل ماركس (على اليمين) وجواهر نهرو (على اليسار). في 5 أغسطس 1962، اعتقلت الشرطة مانديلا مع سيسيل ويليامز بالقرب من هويك. وسجن في سجن مارشال سكوار بجوهانسبرغ، وجهت له تهم التحريض على الإضرابات العمالية ومغادرة البلاد بدون إذن. مثل مانديلا نفسه بنفسه واتخذ سلوفو كمستشار قانوني، وسعى لاستخدام المحاكمة كعرض «لنضال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الأخلاقي ضد العنصرية»، في حين تظاهر أنصاره خارج المحكمة. اعتبرت المحكمة مانديلا مذنبا، وحكمت عليه بالسجن لخمس سنوات شارك السجناء السياسيون في الإضرابات عن العمل وعن الطعام - والتي اعتبرها مانديلا لاحقا بغير الفعالة إلى حد كبير - لتحسين أوضاع السجون، ونظر إليها كصورة مصغرة من النضال ضد الفصل العنصري. تصاعدت أعمال العنف في أنحاء البلاد، وازدادت المخاوف من حرب أهلية. وتحت ضغط من اللوبي الدولي، توقفت البنوك متعددة الجنسيات عن الاستثمار في جنوب أفريقيا، مما أدى إلى ركود اقتصادي. طالب العديد من البنوك وتاتشر من بوتا بإطلاق سراح مانديلا - المشهور عالميا - لنزع فتيل الوضع المتفجر... ترك مانديلا سجن فيكتور فيرستر في 11 فبراير، وقابل الحشود التي اجتمعت والصحافة وهو ممسك بيد زوجته ويني، وقد بث الحدث على الهواء مباشرة إلى جميع أنحاء العالم انتقل إلى مقر بلدية كيب تاون وسط الحشود، حيث ألقى خطابا أعلن فيه عن التزامه بالسلام والمصالحة مع الأقلية البيضاء، كما أوضح أن الكفاح المسلح لحزب مؤتمر الوطني الأفريقي لم ينته بعد، وأنه سيستمر «كإجراء دفاعي بحت ضد عنف نظام الفصل العنصري». وأعرب عن أمله أن توافق الحكومة على المفاوضات، بحيث «لا تكون هناك أي ضرورة للكفاح المسلح»... تم تنصيب مانديلا في بريتوريا في 10 مايو 1944 م وتابع المراسيم عبر نقل تلفزي مليار مشاهد حول العالم. وحضر هذا الحدث 4000 ضيف، من بينهم قادة العالم من خلفيات متباينة. كأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا. في سبتمبر 1988، عين مانديلا أمينا عامًا لحركة عدم الانحياز، التي عقدت مؤتمرا سنويًا لها في ديربان. فاستغل هذا الحدث لانتقاد «ضيق وشوفينية المصالح» الحكومة الإسرائيلية والمماطلة في المفاوضات من أجل إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما حث الهند وباكستان على التفاوض لإنهاء الصراع في كشمير، الأمر الذي جلب له انتقاد كل من إسرائيل والهند... مانديلا ترك أرث فكري وفعل نضالي وخلاصة تجربته الحياتية فهو يرى انه لا شيء في السجن يبعث على الرضا سوى شيء واحد هو توفر الوقت للتأمل والتفكير, وقوله أنا لست حراً حقا إذاV اخذت حرية شخص آخر والمظلوم والظالم على حد سواء قد جردو من إنسانيتهم، وأن تكون حراً ليس بمجرد التخلص من القيود بل هو أن نعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين... يذكر أن حفيد الزعيم التاريخي لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا، أعلن إسلامه وقال ماندلا مانديلا في خطاب قصير ألقاه في حفل عقد قرانه بحسب ما نقلت صحيفة «سياست ديلي» (أتشرف بإعلان زواجي من ربيعة كلارك ف وأنا هنا أعبر عن امتناني لوالديّ ربيعة وعائلتها ولكل المجتمع المسلم لترحيبهم القلبي بي». ويتولى مانديلا حاليا منصب عمدة «مافيزو» مسقط رأس جده نيلسون مانديلا وقد علق بخبث سياسي جنوب إفريقي على اسلام ماندلا الحفيد «نحن قلقون جداً، ما جرى عليه العرف أن المرأة تتحول إلى دين زوجها وليس العكس.. هذه هي عاداتنا»... وبعد سنوات من السجن والحبس الانفرادي والاعتقالات، حافظ مانديلا على علاقته بزوجته إخلاصاً ووفاء حتى بعد معرفته بعلاقات وعدم رضاه عنها . إلا أن حرمه وعائلته طالما شكلا حبه الثاني الأكبر بعد المؤتمر الوطني الإفريقي والكفاح للتحرر. وقال إن صبره نفد وقام بطلاقها وقد قال في خطاب الطلاق «إني أنفصل عن زوجتي بلا اتهامات مضادة، وأضمها بكل الحب والحنان اللذين كننتهما لها داخل جدران السجن وخارجه؛ الحب والحنان اللذين شعرت بهما حيالها منذ اللحظة الأولى، التي رأيتها فيها». «إنه لأمر مذهل، لقد صفح عن جميع أعدائه السياسيين، لكنه لم يستطع الصفح عنها». وقد أكد ذلك مانديلا خلال إجراءات الطلاق، وكشف عن مشاعره حيال ويني علناً في محكمة راند العليا، حيث قال خلال جلسة الاستماع «هل لي أن أعبر عن الأمر ببساطة يا حضرة القاضي؟ لو حاول العالم بأسره إقناعي بإجراء تسوية مع جانب المدعى عليها، فلن أفعل... أنا مصمم على التخلص من هذا الزواج». أما موقف زوجته «ويني» من الأمر برمته فيلخصه قولها «لقد كان لدي القليل من الوقت لأحبه، ربما لو كان لدي المزيد من الوقت للتعرف إليه أكثر، لوجدت العديد من العيوب، إلا أنه لم يتسنّ لي الوقت إلا لأحبه، وأشتاق إليه طوال الوقت». والجدير بالذكر أن الزعيم نيلسون تزوج ثلاث مرات، وأنجب ستة أبناء، وله 17 حفيداً، وعدد متزايد من أبناء الأحفاد. في 18 تموز/ يوليو من كل عام - يصادف اليوم العالمي لنيلسون مانديلا وهو من الشخصيات المؤثرة التي قامت بإحداث تغيير ايجابي في مجتمعاتهم، فكل فرد لديه القدرة وعليه المسئولية لتغيير العالم نحو الأفضل، ويعد يوم مانديلا مناسبة للجميع للعمل وإلهام التغيير. ودع العالم نيلسون بحرقة ووقف أعضاء مجلس الأمن دقيقة صمت عندما وردت أنباء وفاة الرئيس السابق لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا. 5 كانون الأول/ ديسمبر 2013م. وبعد وفاته واجه 15 شخصاً في جنوب أفريقيا تهما بالاحتيال تتعلق بجنازة الرئيس السابق، نيلسون مانديلا، من بين هؤلاء أعضاء بارزون في حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» الحاكم في مقاطعة كيب الشرقية. اعترف مانديلا في كتابه «مشوار طويل للحرية» أن مسلمي جنوب افريقيا وكيب تاون بالذات سبقوه للنضال وابرز نضال عشرات الاسماء من مسلميها الذين كانوا من قادة النضال ضد الفصل العنصري وسجنوا او استشهدوا. أول من عرض عليه الإسلام في جلسة خاصة كان الشيخ (أحمد ديدات) واهداه ترجمة معاني القرآن وناقشه لأكثر من ساعة فاعتذر وامتنع مانديلا عن الإسلام وقال مانديلا في كتابه إنه يؤمن بالخالق ولكنه لا يعتنق دينا بعينه. ودع الحياة بعد حياة حافلة بالعطاء وتقديمه نموذجاً للإنسان المعبر عن ثلاثة من المبادئ السامية، النضال في سبيل الحق والمبدأ وتحرير شعبه حتى حصل على حقوقه كاملة، وتقديم تجسيد حقيقي للمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة في الصفح عند المقدرة وفي الدعوة للتسامح، الزهد في الدنيا ومغانمها ولذلك تولى السلطة مرة واحدة لمدة خمس ثم تخلى عنها ضارباً المثل والنموذج والقدرة بالنسبة لرجل السياسة الإنسان ورجل الدولة الحريص على مبدأ تداول السلطة... ** ** [email protected]