أعلن رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما قبل قليل رحيل الزعيم التاريخي لبلاده نيلسون مانديلا عن عمر يناهز 95 عامًا ، قضى منها 27 في سجون النظام العنصري الذي حكم بلاده حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي . وعانى مانديلا، خلال العام الماضي، أزمات صحية متكررة استدعت نقله أكثر من مرة للعلاج، وسط حالة من الالتفاف الشعبي حوله باعتباره رمزًا لحركة النضال الوطني التي مكنت السود– بعد قرون من التمييز ضدهم – للمشاركة في إدارة شئون وطنهم والتمتع بحقوقهم الإنسانية. وحظي مانديلا بتقدير عالمي واسع، حيث إنه يعد أحد الأسماء البارزة في التاريخ الإنساني، كونه بقي مصرًا على مبادئه حتى تحققت، قبل أن يودع رئاسة بلاده، فاتحًا الباب أمام عملية تداول سلمي للسلطة. ولد مانديلا في 18 يوليو 1918، وشغل منصب رئيس جنوب إفريقيا من 1994-1999. وكان أول رئيس أسود للبلاد، وقد ركزت حكومته على تفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية سياسيا. ودرس مانديلا القانون في جامعة فورت هير وجامعة ويتواترسراند، ثم انضم إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وأصبح عضوًا مؤسسًا لعصبة الشبيبة التابعة للحزب. بعد وصول الأفريكان القوميين من الحزب الوطني إلى السلطة في عام 1948 وبدء تنفيذ سياسة الفصل العنصري، برز على الساحة في عام 1952 في حملة تحد من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وانتخب رئيسًا لفرع الحزب بترانسفال وأشرف على المؤتمر الشعبي لعام 1955. حوكم مانديلا مع قيادة حزب المؤتمر في محاكمة الخيانة 1956-1961 وبرئ فيما بعد. كان يحث في البداية على احتجاج غير عنيف، وبالتعاون مع الحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا شارك في تأسيس منظمة أومكونتو وي سيزوي عام 1961، فألقي القبض عليه واتهم بالاعتداء على أهداف حكومية. وفي عام 1962 أدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، وحكمت عليه محكمة ريفونيا بالسجن مدى الحياة. مكث مانديلا 27 عامًا في السجن، أولا في جزيرة روبن آيلاند، ثم في سجن بولسمور وسجن فيكتور فيرستر. وبالموازاة مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية عملت على الضغط من أجل إطلاق سراحه، الأمر الذي تحقق في عام 1990 وسط حرب أهلية متصاعدة. صار بعدها مانديلا رئيسا لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي ونشر سيرته الذاتية وقاد المفاوضات مع الرئيس دي كليرك لإلغاء الفصل العنصري وإقامة انتخابات متعددة الأعراق في عام 1994، قاد فيها حزب المؤتمر إلى الفوز. انتخب رئيسا وشكل حكومة وحدة وطنية في محاولة لنزع فتيل التوترات العرقية. كرئيس، أسس دستورا جديدا ولجنة للحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي. استمر شكل السياسة الاقتصادية الليبرالية للحكومة، وعرضت إدارته تدابير لتشجيع الإصلاح الزراعي ومكافحة الفقر وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية. دوليا، توسط بين ليبيا والمملكة المتحدة في قضية تفجير رحلة بان آم 103، وأشرف على التدخل العسكري في ليسوتو. امتنع عن الترشح لولاية ثانية، وخلفه نائبه تابو إيمبيكي، ليصبح فيما بعد رجلا من حكماء الدولة، ركز على العمل الخيري في مجال مكافحة الفقر وانتشار الإيدز من خلال مؤسسة نيلسون مانديلا.