** في المركز الصيفي ذي الخمسين يومًا كنا - طلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية - نصدر « مجلةً» - بالمعنى التجاوزي - تُدقُّ على الآلة الكاتبة، وتُطبعُ بنظام « الاستنسل « - وهو نظام طباعةٍ بدائي خدم زمنه - وكانت لصاحبكم مشاركاتٌ فيها، كما كان لدينا احتفالٌ ختامي محتواه فقراتٌ قرائية، ومشاهد تمثيلية وأناشيد وطنية، ولا يستطيعُ الجزم حول مختاراتٍ شارك فيها؛ أكانت للمجلة أم الحفل، ويذكر منها أبياتًا من نصّ المتنبي : صحب الناسُ قبلنا ذا الزمانا وعناهم من أمره ما عنانا وتولّوْا بغصةٍ كلُّهم منه وإن سرَّ بعضَهم أحيانا وانضمت معه نقولاتٌ أخرى، وطابعها تراثيٌ «دينيٌ وتأريخي»، واختار لمجموعها عنوانًا أُنسيَه فعادت إليه بعنوانٍ رائقٍ وبخطٍ لطيفٍ: ( من خمائل التراث)، ووقتها أيقن أن من زهت مختاراته بعنونته لم يكن من منسوبي المركز؛ فسأل وأُجيب: لقد عُرضت على الكاتب الشاب الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي خلال زيارةٍ وديةٍ للمركز وقت وجوده بعنيزة فانتقى هذا العنوان لمشاركتك، وسُرَّ الفتى بامتنانٍ وتمنى لو قابل هذا النجمَ الثقافيّ المتألق. ** كان أبو بدر حينها في مطلع شهرته كاتبًا « رومانسيًا»، وكان النشءُ - بالأخصّ- يتابعون حروفه « المنتحرة» وتلك التي « لم تنتحر»، وربط العنوان « الخمائلي» والزاوية «الجداولية» بمنهج القاضي الوجداني، ولا عجب أن اختار عنوان زاويته كما بدل عنوان مختارات صاحبكم بما يُسايرُ ذائقته التي أحبت شعر « إيليا ابي ماضي» فاحتفت بوسوم دواوينه . ** مرت سنواتٌ قبل أن يلتقيَ به، وقد يكون في أُولاها حين دعاه صاحبكم للقاءٍ إعلاميٍ في قاعة سكن «معهد الإدارة» بعقارية العليّا، فاصطحبه أستاذنا الراحل راشد الحمدان رحمه الله، وتردد أمنُ المجمّع بإدخالهما فقد جاءا على سيارة مزرعة أبي محمد الحمدان، «الداتسن»، ولم يكن مظهرها موحيًا بمن حملتهما؛ فاستقبلهما المُضيف عند البوابة، وظلت الحكايةُ موقع تندرٍ وإعجاب، وفيها درسٌ لمن يعشقون المظاهر كي لا ينخدعوا بها؛ فهذان عَلمان ثقافيّان بارزان علت مكانتُهما بتواضعهما، وكسبا محبةً مضاعفةً لثقتهما بقيمتهما بالرغم من وجود مركباتٍ فارهٍةٍ لديهما. ** توطدت العلاقة بأبي بدر فصار صديقًا صدوقًا ملءُ قلبه الحب، ونبض جوارحه الطيب، وعقارب ساعته لخدمة غيره، ولا ينسى يوم أنْ لجأ إليه زميلٌ « معهداريٌ» -قبل أعوامٍ بعيدة- إذ اشتُبه في سيارته بمخالفةٍ ثقيلةٍ في مدينة لم يزرها هذا الزميل فلم يُسعفه إلا «أبو بدر» الذي حلَّ الإشكال بتواصل سريع مع المدير العام للمرور ،آنذاك، أستاذنا اللواء عبدالقادر كمال، وليس آخرَها قبل أيام حين هاتفه بشأن زميل معهداري آخر فبذل وجاهته لأجله، وليس غريبًا فالأستاذ حمد القاضي « ممن اختصّهم الله بقضاء حوائج الناس» ما وسعه إلى ذلك سبيل؛ فعسى أن ينال أجرهم. ** حرر في «الجزيرة» وما يزال عموده الخميسيُّ مؤتلقًا في أعلاها،وكتب في «الرياض»، وأسهم في « الوطن» و»عكاظ» ورأس تحرير «المجلة العربية» فبقي اسمُه الأبرزَ في تأريخها، ووفى للرموز الكبيرة، وفي طليعتهم: الشيخ حمد الجاسر والدكتور عبدالعزيز الخويطر والدكتور غازي القصيبي وسواهم، وما يزالُ واسطة عقد لقاءاتنا في منزله العامر وعند مرافقته لزيارة آخرين، وسنظل ننتظر ذكرياته موثقةً في كتاب يليقٌ بتجاربه العملية والعلمية والإعلامية والشورية والحياتية. ** القلبُ قرب.