وصلنا خبرٌ محزنٌ العاشر من مارس لعام 2021، خبر وفاة أستاذة الجميع -المغفور لها بإذن الله- ندى البواردي.. هي أستاذة الجميع في مهنة أو تخصص العلاج الطبيعي. فُجعنا بوفاتها والموت حقٌ على كل مخلوق، لكننا أحياناً قد نستبعده أو نتناسى أن يكون على من نحب. ندى هي مثال للقائد المحترف الذي يقف مع فريقه في أحزانه قبل أفراحه، تعلمنا منها صفات القائد المحترف المعطاء المتجاوب المحب الصارم أيضاً إذا استدعى الأمر.. تعلمنا منها مسار حياة متكامل، ودرسنا منها أمانة وحب مهنة العلاج الطبيعي، تعلمنا منها العطاء اللا محدود، تعلمنا منها كيف يجب زكاة العلم أن تكون، تعلمنا منها كيف يجب أن نعامل المريض برفق ومهنية عاليه. كانت معلماً حقيقياً لا يحتاج إلى أن يتكلم ويدرس محاضرات، بل هي معلم يكفي أن نرى منها التصرفات والسلوك لنطبِّق ونقتدي. تعلمنا منها كيف يجب أن نهتم بأدق تفاصيل النظام والاستمرار بحب التعلم والتطوير وتوظيف أقل الإمكانيات للتطوير والتعلم.كانت قائداً غير اعتيادي تعلمنا منها الحكمة والتصرف الصحيح في الزمان والمكان المناسبين. عَلَمٌ من أعلام مهنة العلاج الطبيعي، شغف العلم لم يتوقف عندها ولو لحظة واحدة.. وفيما يخص تعاملها مع فريق العمل كانت ليست قائداً فحسب، بل هي أخت محبة تتواجد في أحزاننا قبل أفراحنا، مرشدة وناصحة للبعيد قبل القريب. تجود دائماً بوقتها وعلمها فيما يعود بالنفع على المنشأة كافة وإلى أعضاء الفريق وإلى المريض أولاً. مستشارة ناصحة لكل من يسألها ويطلب مشورتها، لا ترد أي طالب علم ولا مريض. في أوقات فراغها تقرأ وتعلِّم وتعالج. لم ترد مريضاً قط ولم تبخل بمعلومة عن أي شخص. كانت مرشدة موجِّهة عالمة مستشارة معالجة للجميع، عرَّابة المهنة أستاذة الخلق الرفيع، مرضت بسرطان في الرئة ولم نشعر بمرضها ولم تشتك إلى أحد، بل إنها قدمت العديد من المحاضرات المجانية خلال فترة الحجر المنزلي العام المنصرم على الرغم من مرضها وتعبها. علَّمت ودرَّبت أغلب ممارسي مهنة العلاج الطبيعي.. تعلمنا منها الاحترافية والاستمرار بالتعلُّم وخدمة المريض والوطن. درستنا الرقي والاحترافية والانضباط والأمانة والحب والأخوة. عملت نحو عشرين عاماً كأخصائية علاج طبيعي في مستشفى الملك خالد الجامعي، درَّبت فيه الآلاف من الطلبة والباحثين وعالجت الآلاف من المرضى الذين يشهدون لها بحسن المعاملة. بعدها توجهت إلى دراسة الماجستير في جامعة الملك سعود الصحية بمستشفى الحرس الوطني. مُحِبَّةٌ للعلم والتعليم والتعلم، بعد تقاعدها من مستشفى خالد الجامعي لم يكن لطموحها حدود ولا لحبها للعطاء شروط. بعد حصولها على الماجستير عملت في مركز أبحاث العلوم الصحية بمستشفى الملك عبد الله الجامعي بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وأيضاً كان بابها مفتوحاً لكل طالب علم أو باحث أو طالب يبحث عن معلومة واستشارة. كلمة «لا» في قاموسها ليس لها خانة. داعمة وصادقة لمن تعرف ولمن لا تعرف. أسست مع فريق الأبحاث في مستشفى الملك عبد الله الجامعي مقاييس معربة يستطيع أي باحث الرجوع لها عندما يحتاج إلى تطوير أو بحث يحتاج فيه إلى مقاييس معربة في كافة التخصصات الطبية. أعمالها تتحدث عنها وهذا هو قمة عطاء الإنسان، أن تتحدث أعمالك وإنجازاتك عنك. هذه شخصية العظماء المؤثرين بصدق وحب وإخلاص قبل أي مقابل. هي أخت وأم وصديقة معلمة ومعالجة لكل باحث ومريض وطالب علم.. نحن نعلم أن الموت حق كتبه الله علينا جميعاً، لكن وفاة هذه الغالية هو خسارة كبيرة. فهي تمتلك صفات مجتمعة وجودها في شخص واحد يعتبر محالاً وغير واقعي، لكن مع أستاذتنا ندى هو أمر واقعي وممكن لتلك الروح الطاهرة النقية ندى. عزاؤنا من أخصائيي العلاج الطبيعي كافة ممارسين وأكاديميين ومن كل طالب علم وباحث ومريض ساهمت بعلاجه لزوجها سليمان وبنتاها وعد وشهد وابنها محمد الذي وردتنا رسالة منه عكست لنا تربية تلك الأم العظيمة ندى كان نصها (يؤسفني إبلاغكم بوفاة والدتي أشجع وأقوى امرأة عرفتها بعد 8 أشهر من تشخيصها بمرض السرطان، هي من علمتنا كيف نبتسم في أصعب الظروف، كما أن الابتسامة لم تفارق وجهها البشوش طيلة فترة مرضها، وعلمتنا كيف نصبر على ما قدره الله لنا وأن نحتسب الأجر وأن نحمد الله على قضائه مهما كان، وعلمتنا أن الدنيا قصيرة لا تستوجب إلا الإجابة والرضا، واليوم نبتسم ونصبر ونحتسب الأجر راضين بما كتبه الله لنا كما علمتنا، الحمد لله على كل حال، قدَّر الله وما شاء فعل.. نسأل الله أن يغفر لها ويرحمها ويجمعنا بها في جنات النعيم). هكذا الأم الصالحة تربي وهكذا الابن البار يتصرف. رحم الله هذه الروح الطاهرة ولها منا السلام و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. ** ** محاضر بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن - باحثة دكتوراه - المملكة المتحدة