للفظة (ذِلٌّ) ذَلَّ معان، فذلَّ الرَّجُلُ، أي ضَعُفَ، هانَ، حَقُرَ، و ذَلَّتِ الدَّابَّةُ: سَهُلَتْ، اِنْقادَتْ، وقد جعل للناس {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (15) سورة الملك. كما.. وذَلَّتْ لَفلان القَوافي: سَهُلَتْ، صارَتْ سَلِسَةً، طَاوَعَتْهُ فيما يَأْبَى تلكم الدركة العزيز.. من الْمَهانَةَ، الهَوانَ، الحَقارَةَ. وسَريعُ الذُّلِّ: سَريعُ الاِنْقِيادِ والخُضوعِ. ف..من عاشَ في ذِلٍّ - أي كَما هُوَ هُوَ -مِنْ أَذْلالِ النَّاسِ، وهم أَراذِلِهِمْ. قال بعصرنا الجواهري: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ ذُعَافَ مَذَلَّةٍ وَرَوْدًا فَمَوْتَ الْعِزِّ مُوَرِّدِهِ عَذْبٌ و الذل يأتي (يبلع) مع تعوّد أحدهم المهانة و...! من قول لكثيّر/ فقلتُ لها: يا عزُّ كلُّ مصيبة ٍ إذا وُطِّنت يوماً لها النَّفسُ ذلَّتِ لأن هذه المنزلة لا تُقبل إلا بأحوال، كما في آية {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ..}. ويقارب لها قول أبي تمام: عَلى مِثلِها مِن أَربُعٍ وَمَلاعِبِ أُذيلَت مَصوناتُ الدُموعِ السَواكِبِ أي حُق للدموع وهي ترى هذه المناظر التي أودت بديار الأحبة أن تُذلّ- تُسكب- والعجيب أن هذا الشاعر يوم استغرب على نظمة/ لا تسقني ماء الملامة إنّني.. صبٌ قد استعذبتُ ماء بكائي فأرسل أحد النقّاد وعاء لأبي تمّام وقال له: املأ لي هذا الوعاء بماء الملامة؟ فأجابه أبو تمام: (أعطني ريشة من جناح الذلّ..) في هذا إشارة لقول الله عزّ وجلّ {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}. الأعجب ما تجده هذه بالآية زيادة في تبجيلهما والتلطف معهما في القول والفعل والمعاملة على اختلاف ألوانها. أي: وبجانب القول الكريم الذي يجب أن تقوله لهما، عليك أن تكون متواضعًا معهما، متلطفًا في معاشرتهما، لا ترفع فيهما عينًا، ولا ترفض لهما قولاً، مع الرحمة التامة بهما، والشفقة التي لا نهاية لها عليهما. قال الإمام الرازي ما ملخصه: وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} المقصود منه المبالغة في التواضع. وذكر «القفال» في تقريره وجهين: الأول: أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه، ولهذا السبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التربية. فكأنه قال للولد: اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك في حال صغرك. والثانى: أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه، وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه. فصار خفض الجناح كناية عن التواضع استرسلت بهذا الجانب لأن الشعر فضلاً أنه أحد شواهد العرب على ما يقولون (.. من غريب الألفاظ)(2) إلا أن غرضه الأجمل في تذوّقه.. كما وأن ما حوى من جليل أبيات هي في ذائقتنا خالدة. والخلود أي ذاك الذي عبّر عنها الأقدمون وفي أبسط تعريف للشعر الجميل: «إذا أردت أن تعرف جمال أي بيت، فاقرأه مرّة ثم أغمض عينيك، فإن طلبتْه نفسُك، وتردّد في وجدانك، ووجدته عالقاً في مخيّلتك فهو شعرٌ جميل يستحقّ أن تحفظه». ———— 1) والتي يقابلها (..عزّة) وإبأُ، وعم الاستسلام للضيم، فمن ذات القصيدة قال: لَئِنْ أَسَلّمَتْهُمْ عِزَّةُ النَّفْسِ لِلرَّدَى فَمَا عَوْدَتِهِمْ أَنّ يَلُمّ بِهُمْ عَتَبٌ 2) ألم يحمد للفرزدق (.. وعلى عويص مفرداته) أنه لولا شعره لضاع نصف اللغة - مبالغة - عبدالمحسن بن علي المطلق ** **