اللحظة التاريخية تفرض على الجميع التخندق مع المملكة باعتباره واجباً دينياً ووطنياً وقومياً ضد العجرفة الأمريكية، والاتهامات المغرضة، الجميع يدرك أن وراء التقرير الأمريكي ما وراءه، وأن وراء الأكمة ما وراءها، فالسعودية لم تخلف يوماً موعداً مع أمتها العربية والإسلامية، مواقفها أكثر من أن تدوّن، لقد وقفت المملكة مع كل القضايا العربية، وسالت دماء شعبها على كل الجبهات العربية، واحتضنت الملايين من العرب والمسلمين على أرضها ولا يزالون ينعمون بالعيش إخوة كراماً أعزاء. عودنا التاريخ أن به منحنيات ومطبات، وأنا ممن يعتقدون بأن التاريخ كائن حي، ووعاء يتفاعل ويستجيب للقدرات الفردية والجمعية والتحديات التي تواجه الإنسانية منذ التكوينات القبلية وحتى عصر الأمبراطوريات مروراً بالدولة الحديثة التي تأسست بعد صلح وستفاليا عام 1648م، وكما أن لبدايات بروز القوى العظمى إرهاصات فإن لاندثارها وتلاشيها علامات لا تخطئها عين، والولاياتالمتحدةالأمريكية ليست استثناءً ولن تكون، فكل عناصر الانهيار حاضرة، وأظن أنه بات وشيكاً، ولست أنا الذي يقول بهذا وحدي فالعديد من المفكرين الأمريكيين قالوا بهذا من قبل رغم محاولات الحقن والاستقواء والاستعلاء التي تشبه صحوة وعافية ما قبل الموت. لم يكن مفاجئاً موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من المملكة العربية السعودية، فالمواقف كانت واضحة منذ البداية، لكن أغلب الظن أن أي من المراقبين لم يكن ليتصور أن تكون على هذا النحو من اللا منطق واللا معقولية، الجميع وأنا منهم كان على ثقة بأن الإدارة الأمريكية سوف تعود لتستقيم مع الرشد الأمريكي المعتاد بعد فوبيا الشعبوية إبان فترة الانتخابات التي يطلق فيها المرشحون وعودهم في الهواء الطلق التي سرعان ما تتبخر، أو تتجمد بدخولهم إلى البيت الأبيض، كنا نظن أن المنطق تفرضه تراكمات العلاقات التاريخية الوطيدة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية القوة العظمى في العالم المعاصر وبين المملكة العربية السعودية القوة الإقليمية الوازنة التي بدونها لا تستقيم التوازنات الدولية والإقليمية. يقيناً أن النخبة الحاكمة السعودية كانت تتحسب لامتصاص ومواجهة حالة الاندفاع والتهور التي يتسم بها بعض صقور الإدارة الأمريكية الجديدة التي تتألف من مزيج حاقد كاره تحركه الدوافع الذاتية والمكائد الشخصية، ويظن أنه لا يزال بإمكانه إدارة عجلة الزمن إلى الوراء، إلى سنوات الخريف العربي، وتناسى أن الدول العربية قادة وشعوب استوعبت الدرس، وأن بالمملكة قيادة شابة محنكة تتسم بالحكمة والفطنة خبرت دهاليز السياسة، وبات بمقدورها التصدي لألاعيب وطرائق الابتزاز المغلفة بالبطلان والوهن والأكاذيب. على إدارة بايدن أن تدرك أن السعودية لن تقف وحدها في الميدان وأن أمير العرب، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أشد صلابة وقوة وأعتى من أن تهزه مثل هذه التلميحات الغادرة، والاتهامات الباطلة فالرجل صهرته المحن، والتحديات التي واجهته طيلة السنوات الست الماضية صنعت منه بطلاً ورمزاً خالداً في شعبه وأمته، متى تدرك أمريكا أن المملكة العربية السعودية ليست دولة من دول الموز؟ بل هي دولة كبرى بها شعب عظيم استمد من الصحراء قوته وجلده وكبرياءه، شعب يتحلّق حول قيادته الشابة التي حققت له إنجازات اقتصادية واجتماعية وبنيوية لم يكن بمقدور غيره تحقيقها في عقود وربما في قرون. رمتني بدائها وانسلت، هكذا يقول المثل العربي، ألم يكن من الأولى بالإدارة الأمريكية أن تبحث في مقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفين التي قتلت في سوريا، والسفير الأميركي كريس ستيفنز عام 2012 في ليبيا، ومقتل الخمسة في الكونجرس يوم 6 يناير الماضي، والآلاف من السود الأمريكيين الذين قتلوا بعنصرية بغيضة وبلا رحمة طيلة العقود الماضية، من إعادة قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي توفي في مدينة أسطنبول التركية وحاكمت السلطات السعودية المتورطين وتمت إدانتهم وانتهت وطويت القضية بأحكام باتة قاطعة وتقاضت أسرته الدية. لا يحتاج المرء إلى الكثير من الجهد أو العناء للتذكير بحقوق الإنسان المهدورة في أمريكا وهي التي جرت على أرضها دماء الملايين من السكان الأصليين «الهنود الحمر» انهارا، ووديانا، فلا تزال الأرض هناك تصطبغ بلون الدم، والزراعات تنمو وتترعرع والحيوانات تعتاش على الدم الراكد في باطن الأرض ينابيع جوفية عله يوماً يستفز ضميراً جمعياً يدرك أن الإمبراطوريات تمرض وتموت كما الإنسان، وأن التاريخ به موازين للعدالة، وأن الأيام دول. ** ** - مدير مكتب مؤسسة روز اليوسف الصحفية بالمملكة