فترة الخوف من الفناء التي لازمت البشرية طوال العقد الأخير بدأت بالاضمحلال. وقد بدأ بصيص من الأمل يدب في نفوس البشر لنزع فتيل الحرب. وعلى الرغم من عدم انتهاء التوترات الكبرى بعد، إلا أن الجميع يحاول أن يجد له مكاناً حول طاولة الحوار. بيد أن الخوف لم ينته، فطاولة الحوار تحتاج إلى فن الحوار! وهو مفقود حتى اليوم. وفد تندلع انفجارات حوارية لها ارتداداتها الزلزالية العنيفة وتنكسر طاولة الحوار. فعلى الرغم من أن مبدأ الحوار بسيط وواضح لا لبس فيه، وهو أن يهتم كل بلد بتنمية قدراته الذاتية؛ ولا يفرض هيمنته على الآخر؛ بل يحاول التكامل مع الآخر بالحوار. ولكن طاولة الحوار تخص القادة وليس الشعوب! ولا تستطيع الشعوب التي تربت على القهر وسلب الإرادة وتعطيل الوعي المشاركة في الحوار المصيري، حتى لو أتيح لها ذلك. ولكن لم يستطع أي أحد عبر التاريخ والجغرافيا، حرمان أي شعب من «الحلم»! نزع فتيل الحرب كان حلماً للبشر لأكثر من قرن، وفقد الكثير الثقة بإمكانية تحقيقه، ولكنه قد بدأ بالتحقق اليوم! وهناك أحلام أخرى كثيرة عبر التاريخ قد تحققت فعلاً أو في طريقها للتحقق. أما «التراثويون»، الذين يصورون تحقيق الحلم وكأنما هو سلوك درب التبانة، فهؤلاء هم جيش لم ينشأ إلا لإشاعة الإحباط واليأس، وهم لا قيمة لهم دون دعم!.. أما من هم حريصون على صناعة أحلام الشعوب ودعمها حتى لو ضحوا بحياتهم، أي «الحداثيون» الذين فلتوا من استعباد المال لهم، فهم القادرون على الإنجاز العظيم! قد «يشطح» الفرد الحالم في المنام أو اليقظة لمسافات بعيدة عن الواقع، ولكن حلم الشعب أو الأمة لا يمكنه ذلك؛ لأنه مرتبط بالمجموع؛ والحلم الأكثر قرباً من الواقع هو الحلم المشترك للبشر جميعاً. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: من هو المخول لصناعة وتحقيق ذلك الحلم؟ لا شك أن «الفن» هو «لسان حال» أو ضمير أي شعب أو أمة. والمقصود بالفن هنا: كل الإبداع المقروء؛ والمشاهد؛ والمسموع؛ والمركب بواسطة الأجهزة الذكية! ولكن «جيوش» الإبداع مرتبطة بالظالم أو المظلوم أو ما بينهما. فكيف نحصل إذن على فن خالي من تشويه الجمال؛ وخالي من الأنانية؛ والغدر؛ والتلوث بوسخ المال؛ والقريب من هموم المظلوم؟ لا نستطيع تحقيق ذلك إلا ب«الحلم»، فنحن لا نريد «الحب في زمن الكوليرا» ولا الكرونا، بل نريد «الحب المصفى». ولا بد لنا إلا نكون نحلاُ نستخرج «الحب من الهموم»، ونلسع كل من تسول له نفسه سلب حبنا. ** **