نفهمُ في مجتمعاتنا الإسلامية فكرة أنَّ الحياة نوع من الاختبار، والابتلاء. أما في المجتمعات المسيحية واليهودية والملحدة لا يوجد هذا التفسير الجميل الذي يعتبر الحياة اختباراً لقوة إدراكنا بأنفسنا في هذا الوجود. وبشكل يشبه الطريقة الإسلامية كان سقراط ينظر للحياة على اعتبارها امتحاناً، وهذا ما يجعلها تستحق العيش. وحتى في كتاب «تلخيص كتاب النفس لأرسطو» يقول ابن رشد: «والعلم بالنفس أكرم من سائر العلوم وأحسن. فأما كرمه فلأنه يقود الإنسان إلى علم ذاته، فإن علم ذاته علم سائر الأشياء التي تعلوه، والتي هي أدنى منه». الفيلم الوثائقي حياة ممتحنة 2008 Examined Life مدخل عظيم لفهم الفلسفة، فيبدأ بعبارة أفلاطون التي يقولها نقلاً عن سقراط: «حياة بلا امتحان لا تستحق العيش» بالخط العريض الذي يملأ إطار الشاشة. ثم يعرض الفيلم تسعة فلاسفة من أهم فلاسفة الزمن الحديث وهم يتحدثون بشكل منفصل لمدة عشرة دقائق عن علاقة أفكارهم الفلسفية بالحياة اليومية التي نعيشها. من الناحية البصرية؛ نشاهد الفيلم في حركة مستمرة، وكل ضيف يتحدث عن أفكاره وهو يمشي، وينتقل من مكان إلى آخر، وبذلك يكون الفيلم مرتبط في جوهره بأسلوب المدرسة المشّائية حين كان أرسطو يلقي محاضراته مشياً مع طلابه. الضيفة الأولى في الفيلم من النساء هي أفيتال رونيل، وتحدثت عن معاني المشي وعن الحياة كطريق، وقالت: «عندما طرح هايديجر سؤاله «ما التفكير؟» كان يقول أشياءً كثيرةً عن المشي، وعن الطُرق التي تقود إلى اللامكان. ويشرح أيضاً في واحداً من أهم أطروحته بعنوان مسالك الغابة Holzwege فكرة الطريق الذي لايقود إلاَّ إلى المجهول. كما كلمة الطرق في اللغة اليونانية وهي Methodos، و نحن على الطريق». أما باقي الأفكار التي طرحتها أفيتال رونيل كانت عن مسؤولية الفرد، ودوره، وانعكاس ذلك على مدى رضاه عن نفسه، حيث تقول: «إذا كنت ستقول لنفسك «أوه! أعطيتُ هذا الشخص المُشرّد خمسة دولارات، أنا شخص رائع» فليس لديك أي شعور بالمسؤولية، لأن الشخص المسؤول هو الذي يتصور دائماً باستمرار أنه لم يعط بما فيه الكفاية؛ ويشعر أنه غير مسؤول بما فيه الكفاية». ثم نشاهد الضيف الأول من الرجال وهو الأمريكي كورنيل ويست، يناقش معاني الفشل، وجماليات التجربة، وحب الحياة، ويقول:» كان بيتهوفن يردد وهو على فراش الموت:» لقد تعلمت أن أنظرَ إلى العالم وأحبهُ بكل مافيه من شرٍ وظلام.»... نعم، توجد إخفاقات في الحياة، ويوجد فشل، ولكن السؤال: ما الأثر الجميل للفشل؟ أعني، كما قال بيكيت: «حاول مرة أخرى، افشل مرة أخرى، افشل بشكل أفضل» لكن، لماذا نسميه فشل؟ أعني لماذا لا نقول ان الفشل كوَّن لديك إحساساً بالعِرفان والامتنان لأنك تمتلك القدرة أن تفعل مافعلت؟ ولديك القدرة أن تحب كما أحببت، وتفكر كما فكرت، وتستمتع كما استمتعت؟ لماذا تتصور أنك بحاجة امتلاك كل ما تريد؟ هل ترى ماذا أقصد؟» ويتحدث أيضاً عن معنى الفلسفة، ويقول: «الفلسفة هي محبة الحكمة. إذن، تحتاج مقداراً كبيراً من الانضباط، ومقداراً هائلاً من الشجاعة حتى تفكر لنفسك، وتختبر ذاتك. و الشَجاعة هي المُتطلب الأساسي السقراطي. بالمعنى الذي استخدمه ويليام بتلر بيتس حين قال:» معاينة الزوايا المظلمة في أقاصي نفسك تتطلب شجاعة أكبر من شجاعة مقاتل في أرض المعركة». لذا الشجاعة هي التفكير الناقد، والشجاعة هي الفضيلة التي تُمكِّن أي فيلسوف، وتُمكِّن أي إنسان بالنهاية. والشجاعة قدرة على التفكير، وقدرة على الحب، وقدرة على الأمل». ** **