تجري محاولة جديدة لإقامة السلام في واحدة من أكثر دول العالم توتراً وانقساماً وهي الصومال و يلجأ المجتمع الدولي في المحاولة الجديدة إلى استخدام مبدأ العصا والجزرة لإجبار الصوماليين على التجاوب مع هذه المحاولة. يصف الدبلوماسيون المحادثات التي بدأت الاسبوع الماضي في مدينة إيلدورت المرتفعة في كينيا المجاورة للصومال بأنها أفضل فرصة أُتيحت للصومال لكي تستعيد كيانها كدولة. تتعلق الآمال بنجاح الموفدين الصوماليين الذين يصل عددهم إلى350 موفدا ويمثلون ما بين قبائل زعماء الحرب وجماعات الدفاع عن المرأة بنجاحهم في الاتفاق على وقف لإطلاق النار وإفساح الطريق أمام تقاسم السلطة في هذه الدولة. لقد بدأ اهتمام المجتمع الدولي في الصومال بصورة أكبر بعد هجمات الحادي عشرمن سبتمبر مع تزايد المخاوف من تحول الدولة المسلمة الغارقة في القلاقل إلى مأوى للجماعات الإرهابية وبالفعل فإن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي يمولان معا مؤتمر السلام الذي تستضيفه كينيا. وخلال المراسم الاحتفالية لافتتاح المؤتمر هاجم أربعة من رؤساء الدول الافريقية المجاورة زعماء الفصائل في الصومال بسبب رفضهم التوصل إلى تسوية للصراع على مدى 11 عاما من الحرب الأهلية التي جعلت من الصومال نموذجاً سلبيا للدول الافريقية.. الرئيس الكيني دانيال أراب موي قال في حفل افتتاح المؤتمر مخاطبا الوفود الصومالية إن الشعب الصومالي يريد السلام والمصالحة وهذا الشعب لا يريد فصائل ولا شعارات وإذا فشلتم في هذه المرة فإن التاريخ سوف يحاسبكم بشدة. وقد حول زعماء الحرب الصوماليون هذه الدولة التي تقع في القرن الإفريقي إلى ساحة للحرب الأهلية منذ انهيار حكومة الرئيس السابق محمد سياد بري في عام1991 وقد فشلت محاولات التدخل الدولية التي قادتها الولاياتالمتحدةالأمريكية والأمم المتحدة تحت اسم عودة الأمل في إنهاء الحرب واضطرت القوات الأمريكية والدولية إلى الانسحاب بدون استكمال مهمتها. وقد تخلى المجتمع الدولي تقريبا عن الصومال بعد ان استكملت القوات الدولية انسحابها من البلاد في عام 1995 ولكن الصومال قفزت مرة أخرى على اجندة المجتمع الدولي وبصورة كبيرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في العام الماضي وقد وضعت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش جماعة صومالية تسمى الاتحاد الإسلامي على قائمة المنظمات الإرهابية كما أغلقت الولاياتالمتحدة شبكة كبرى لتحويل الأموال إلى الصومال لاتهامها بتمويل أنشطة أسامة بن لادن ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر تقوم السفن الحربية وطائرات تجسس أمريكية وبريطانية وألمانية بعمل دوريات مستمرة لمراقبة الساحل الصومالي. والاعتقاد السائد هو أن الصومال التي تعد دولة مفتتة يمكن أن تمثل أرضاً خصبة لعمل الإرهابيين ومكاناً لاختباء مقاتلي تنظيم القاعدة وعلى الرغم من أن كل المحاولات المكثفة لإيجاد علاقة بين الصومال والجماعات الإرهابية لم تسفر عن شيء طوال العام الماضي فإنها لفتت الانتباه مرة أخرى إلى ضرورة تحقيق السلام في هذا البلد الإفريقي المنكوب وبالفعل فقد ساندت كل القوى الدولية ذات الاهتمام بالصومال سواء الدول العربية أم الدول الغربية أم الدول الإفريقية المجاورة مثل جيبوتي وإثيوبيا وكينيا المحاولة الجديدة لإجراء مفاوضات للسلام. كانت إثيوبيا والدول العربية على وجه التحديد موضع اتهامات خلال السنوات الأخيرة بتغذية الصراع في الصومال لتحقيق أهداف خاصة ومتعارضة من خلال دعم الفصائل الصومالية المتحاربة وممارسة النفوذ عليها. يقول أحد المراقبين التابعين للاتحاد الأوروبي الذي يحضر اجتماعات «إيدلورت» الذي رفض ذكر اسمه انها المرة الأولى التي يرى فيها المجتمع الدولي بأسره يساند عملية سلام على هذا النحو. ولكن نجاح هذه المحاولة يتوقف على مدى رغبة الصوماليين الذين يمتلكون السلطة والنفوذ في إنجاح هذه العملية السلمية. بذل المجتمع الدولي 13 محاولة لتحقيق السلام في الصومال منذ عام 1991. أسفرت بعض هذه المحاولات عن توقيع اتفاقات فردية ولكن أيا من المحاولات الثلاث عشرة لم تسفر عن تسوية حقيقية بسبب إصرار الوسطاء الدوليين على استبعاد أو تجاهل زعماء حرب معنيين في الصومال في مثل هذه المحاولات أو أن هؤلاء الوسطاء كانوا يتجاهلون النظام القبلي المتعمق في الصومال. وكانت آخر محاولات تحقيق السلام في الصومال هي تلك التي جرت في جيبوتي عام2000 اسفرت عن إقامة حكومة انتقالية في الصومال لكن عدداً من زعماء الفصائل لم يشارك في هذه المفاوضات ولا في الحكومة الانتقالية، ومنذ ذلك الحين لم تنجح الحكومة الانتقالية في فرض سلطتها إلا على جزء من العاصمة مقديشيو وبعض الأجزاء خارج العاصمة وكل هذه المناطق تمثل أهداف ا لهجمات عسكرية من جانب فصائل المعارضة. وقد تحدث ألفريدو مانتيكا القائم بأعمال وزير الخارجية الإيطالي في كلمته أمام المؤتمر ممثلا للمانحين الغربيين الذين يدعمون مؤتمر إيدلورت قائلا: أن الصوماليين يمكنهم أن يجعلوا من المحاولة الحالية لتحقيق السلام في بلادهم هي المحاولة الرابعة عشرة والأخيرة. وأضاف ماتنيكا: إن أرباح السلام يمكن أن تعود على الصوماليين في صورة منح مالية من الدول الغربية في حالة نجاح المؤتمر الحالي، وفي الوقت نفسه هدد الاتحاد الأوروبي بفرض ما أسماه بالعقوبات الذكية مثل المنع من السفر إلى الدول الأوروبية وتجميد الحسابات المصرفية ضد زعماء الفصائل الذين سيعرقلون التوصل إلى تسوية للصراع في الصومال. وقال منظمو المؤتمر، إن محاولة تحقيق السلام في الصومال الحالية لن تقتصر على مجرد المؤتمر أو ترتبط بجدول زمني محدد ولكنها ستصبح عملية مستمرة قد تستغرق عدة أشهر وتتكون من عدة مراحل. ويثير المناخ السائد بين الوفود الصومالية المشاركة في المؤتمر بوادر أمل مشجعة.. يقول أواجاما عمر عيسى وهو كاتب صومالي ومندوب عن إحدى المنظمات الاجتماعية إنه لا يعرف ما يخفيه هؤلاء الناس في صدورهم ولكنه يرى وجوهاً مشرقة بالامل والتفاؤل. أما السفير الصومالي السابق أحد المشاركين في المؤتمر، فيقول: إنه لا يستطيع أن يتصور أن أي جماعة صومالية قادرة على تدمير هذا المؤتمر، فالشعب لن يسامح أبداً أي زعيم حرب يعوق عودة السلام إلى الصومال. * خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب «الجزيرة»