يعتبر الزعيم الصومالي علي مهدي أحد الأطراف الرئيسية في الصراع الصومالي. وهو يرأس حالياً مجلس الإنقاذ الصومالي إلى جانب مجموعته القبلية التي تضم 12 فصيلاً. وكان خلف الرئيس السابق محمد سياد بري رئيساً موقتاً للصومال، إلا أنه دخل مع الجنرال محمد فارح عيديد في صراع عنيف حول السلطة، وهو النزاع الذي قاد الصومال إلى حرب أهلية قضت على الدولة الصومالية وحولت الصراع بين عيديد ومهدي صراعاً على أرض محروقة وسلطة لا وجود لها. وقد وجد علي مهدي بتزعمه الحالي لمجلس الإنقاذ الصومالي والذي يضم 26 فصيلاً اعترافاً اقليمياً ودولياً جعله رقماً مهماً في المعادلة الصومالية الصعبة. وقد تحدثت إليه "الوسط" عن مجمل القضايا البارزة في الساحة الصومالية، وكان هذا الحوار: كيف تم تكوين مجلس الإنقاذ الصومالي، وما هي آخر التطورات في مسار حل الأزمة الصومالية؟ - يعتبر مؤتمر سودري في اثيوبيا الذي استمر شهرين بمشاركة 26 فصيلاً صومالياً علامة بارزة في مسار حل الأزمة الصومالية. وقد نجح في انشاء مجلس الإنقاذ الصومالي والذي يضم 41 شخصاً يمثلون كل الفصائل المجتمعة وانبثق من ذلك المؤتمر المجلس الرئاسي لمجلس الإنقاذ الذي يضم في عضويته كلاً من شخصي وعثمان عاتو وآدم عبدالله نور وعبدالله يوسف وعبدالقادر محمد آدم. وعقد المجلس أول اجتماعاته بعد تكوينه في مقديشو، ومن هناك ناشد حسين عيديد وإبراهيم عقال الانضمام إلى عملية السلام، وكانت اجتماعات المجلس في مقديشو بداية حقيقية لممارسة المجلس أعماله داخل الصومال. وبعد تثبيت أوضاعنا في الداخل، قمنا بجولات عربية وافريقية، وكانت النتائج ايجابية وفي أقل من ستة شهور من عمر مجلس الإنقاذ، وجدنا الاعتراف الرسمي من منظمة الوحدة الافريقية وجامعة الدول العربية وهيئة الأممالمتحدة ومنظمة "ايغاد" ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وهذا الانجاز يُحسب لقادة الفصائل الصومالية الذين تخلصوا من رواسب الماضي، إضافة إلى دور اثيوبيا في اعتبارها الدولة المضيفة. إن الأوضاع في الصومال وصلت إلى مرحلة خطيرة، لذلك كان على الصوماليين انفسهم الوصول إلى الحد الأدنى من الاتفاق لانقاذ مستقبل الصومال، ولقد طرحت مبادرات عديدة من قبل لحل الأزمة، ولكنها لم تكن مستوفية للشروط الكاملة للحل، ولكن في النهاية توصل الصوماليون إلى ضرورة استخدام لغة الحوار ووقف القتال والحرب. دعوة عيديد وعقال هل يعني هذا أنكم مقبلون على تشكيل حكومة؟ - نعم، وسيعقد اجتماع موسع أعد له إعداداً جيداً لتكون النتائج مثمرة وناجحة، ونحن متفائلون بانضمام بقية الفصائل التي لم تشارك في مجلس الانقاذ حتى الآن، وهناك تطورات مهمة في موقف الأطراف التي لم تشارك بعد، والاتصالات الجانبية التي أجريت مع هذه الأطراف مبشرة وتوحي بانضمامهم إلى المجلس، وتمثل ذلك في تغيير لغة هذه الفصائل التي كانت تتعامل معنا على أساس أنها الجهة الشرعية الوحيدة، وتعتبرنا معارضة. لكن انتفت هذه اللغة وتغيرت هذه المفاهيم الخاطئة، ونسعى في الوقت الراهن إلى اقناع هؤلاء بضرورة التخلي عن النظرة الحزبية الضيقة لاحلال السلام في الصومال. وقد دعونا عيديد وإبراهيم عقال للانضمام إلينا في ركب الصومال الموحد الذي لا يتجزأ، وهذه المسميات التي ظهرت أخيراً على الساحة الصومالية لا وجود لها على أرض الواقع وستتجاوزها الأحداث. إذا تعرض أي فصيل تابع لمجلس الانقاذ لهجوم من الأطراف الأخرى، كيف سيكون الرد؟ - نحن، في البداية، نؤكد اننا اشترينا السلام، وكمبدأ نرفض العنف وننبذه، ويجب الحفاظ على ما توصلنا إليه، ونحن على قناعة بأن الحلول لا تأتي بقوة السلاح، ومع ذلك فأي اعتداء على أي فصيل تابع لمجلس الانقاذ سنعتبره اعتداء على مشروع السلام الذي بدأت مسيرته ليعم الصومال وحينها لن نقف مكتوفي الأيدي وسيكون لمجلس الانقاذ رد جماعي حاسم. كان الخلاف بينك وبين عيديد على الرئاسة، فما هي المتغيرات التي جعلتك تقبل بمجلس رئاسي مكون من خمسة أشخاص؟ - لم يكن هدفي في يوم من الأيام الرئاسة، فلقد تم اختياري في جيبوتي وبالاجماع رئيساً للصومال. وفي عام 1993، عقب اندلاع الحرب، قدمت اقتراحاً بأن نتنازل أنا والجنرال عيديد عن السلطة، وذلك في مؤتمر الفصائل الصومالية في اثيوبيا. وكنت أرمي إلى تخليص الشعب الصومالي من القيادة الفردية التي أدت إلى دمار الصومال، ولذلك فما تم في مؤتمر سودري وتكوين مجلس الانقاذ يعتبر تحقيقاً لاطروحاتي التي قومتها سابقاً. والآن يجب على الصوماليين السعي إلى تحقيق السلام الذي لا يتأتى من دون التخلي عن الاحلام الضيقة والذاتية. هناك مخاوف من أن يتحول الصومال إلى "أفغانستان القرن الافريقي"؟ - على رغم ما تعرض له الشعب الصومالي من تجاهل دولي، فإن طبيعة الصوماليين تمنعهم من أن يسمحوا للأجانب بتدمير بلادهم، ونؤكد أن هناك وجوداً للأفغان العرب في الصومال الذين جاءوا عن طريق بعض الفصائل التي استغلت الفوضى التي تسود الصومال. ولقد تحول الصومال إلى مركز لممارسة كل الأعمال غير المشروعة، خصوصاً تجارة السلاح والمخدرات. وهناك معلومات موثوقة بأن بعض الجهات، وبتنسيق مع بعض الفصائل، قامت بدفن نفاياتها في السواحل الصومالية، وهذا الأمر لن يقتصر تأثيره على الصومال فحسب، بل سيشمل دول المنطقة كلها. وكل هذا يتم في ظل صمت عالمي واقليمي، وهناك نهب منظم لثروات الصومال، إذ تم تهريب اليورانيون عن طريق القوات الدولية التي ادعت أنها جاءت لانقاذ الصوماليين، وكل ذلك تم بتنظيم دقيق، وبعد تضليل العالم العربي والدول الصديقة عبر أجهزة الاعلام الغربي الذي عمل على اظهار الصوماليين وكأنهم فقدوا آدميتهم. لكن بعد ظهور الحقائق الآن، فإن الجرائم البشعة التي ارتكبت في الصومال ستكون عاراً ليس على جبين المجتمع الغربي فحسب، بل على جبين المجتمع الدولي كله. وبعد افتضاح التآمر على الصومال، نرى أن الدول التي لها صلات وتداخلات مع الصومال، عليها التعامل بسياسة وقائية لانقاذ الوضع ليس لمصلحة الصومال فقط، ولكن لمصلحة هذه الدول، وذلك حتى لا يؤول الصومال إلى بؤرة عدم استقرار تصعب السيطرة عليها. ما هي حقيقة ما تردد عن العملة المزيفة الجديدة التي طرحت في الصومال؟ - هناك معلومات مؤكدة بأن العملة الصومالية المزيفة طبعت في ماليزيا، ونقلت جواً إلى كينيا التي رفضت ادخالها إلى الصومال، ومن ثم حولت إلى السودان الذي تولى شحنها بحراً إلى الصومال وتسليمها إلى حسين عيديد. وبهذا يكون السودان شريك عيديد في هذه المؤامرة التي ستتجاوز آثارها الصومال وتمتد إلى دول المنطقة. هذه العملة كلها موجودة الآن لدى حسين عيديد الذي التقيته في القاهرة وحذرته من خطورة هذا الأمر وطلبت منه احراق العملة. وتعتبر هذه المسألة عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق مع عيديد. ولكن ما هي علاقة السودان بما يدور في الصومال؟ - في زياراتي العديدة للسودان التقيت بالرئيس عمر البشير والدكتور حسن الترابي اللذين أكدا لي حرصهما على الصومال الموحد، ولكن بعد مغادرتي السودان إلى الصومال فوجئت بأصابع السودان في الأزمة الصومالية، إذ كانوا يحرضون عيديد الأب في الماضي، والآن يدعمون عيديد الابن. السودان شريك ومساهم رئيسي في عملية التمزيق التي يشهدها الصومال، ويريد السودان أن يجعل الصومال وكيلاً له في الحرب التي يديرها من خلال وكلاء في المنطقة، وللسودان دور كبير وتأثير واضح في تعطيل المصالحة الوطنية ولمّ الشمل الصومالي. ولا استبعد ان يكون السودان وراء فكرة العملة المزيفة وطبعها. تعاون مصري أثيوبي هناك من يعتقد بوجود منافسة بين اثيوبيا ومصر في حل الأزمة الصومالية؟ - كل هذه الاعتقادات لا أساس لها من الصحة، فللمرة الأولى تتطابق الرؤية العربية والافريقية لحل الأزمة الصومالية. هناك تعاون وثيق بين اثيوبيا ومصر لحل الأزمة، ومساعي البلدين متكاملة، وقد اتضح لنا ذلك بعد لقائنا الرئيسين الاثيوبي والمصري ووزيري خارجية البلدين الذين اجمعوا على ضرورة ايجاد حل عاجل للأزمة الصومالية. ظهرت أخيراً أصوات صومالية تطالب بإعادة النظر في العلاقات الصومالية - العربية، خصوصاً عضوية الصومال في الجامعة العربية... - لدينا قناعات راسخة وثابتة بأن علاقاتنا بالوطن العربي عضوية، ولن تتزحزح ولن تكون مثار شكوك. لكن بعض الأطراف الصومالية لديها عتاب على القصور الذي بدر من أطراف عربية عدة تجاه الأزمة الصومالية. وفي زيارتي الأخيرة لمصر التقيت الأمين العام للجامعة العربية ومندوبي الدول العربية وطرحنا لهم تصوراتنا واتفقنا على أن تساهم الجامعة العربية في دفع عجلة السلام بالصومال، ونحن نقدر موقف الأمين العام للجامعة لاهتمامه بالأزمة الصومالية، ووجدنا تفهماً كاملاً من الجامعة لمساعي مجلس الانقاذ الصومالي الرامية الى إعادة السلام والاستقرار في الصومال، واطلعنا الجامعة العربية على وجود دولتين عربيتين تعملان على تأجيج الأوضاع في الصومال، كما اطلعناها على المواقف الايجابية التي اتخذتها الدول العربية لمساندة ودعم الصومال، تحديداً من جانب مصر واليمن، وعبرنا عن تقديرنا لموقف دول الخليج ودورها الأخوي في مساندتها لشعب الصومال في محنته. وكانت قطر والكويت أول دولتين عربيتين قدمتا مساهمة حقيقية لدعم مجلس الانقاذ مادياً ومعنوياً. ما هو ردكم على ما تردد عن اعتداءات اثيوبية على الحدود الصومالية؟ - نحن نرفض وندين أي اعتداء على حرمة الأراضي الصومالية، لكن ما أحب أن أؤكده أنه ليست هناك أي اعتداءات على أراضينا من الجانب الاثيوبي. وندين ما تقوم به جماعة الاتحاد الإسلامي من عمليات بالوكالة لصالح جهات أجنبية، ولن نقبل أن تكون الأراضي الصومالية قواعد تنطلق منها الجماعات الارهابية لتهديد أمن الآخرين.