الفعل السياسي ليس هو فن الممكن، كما درجت عليه نظريات العلوم السياسية، بل هو تحقيق المستحيل وهو تعريف جديد أسست له ورسخته قمة العلا التي استضافتها المملكة العربية السعودية في مدينة العلا الثلاثاء الماضي، في إنجاز تاريخي غير مسبوق يضاف إلى الإنجازات التي حققها ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان الذي نجح بامتياز في تحقيق ما كان يظنه بعضهم غير ممكن، بل ذهب بعض الآخر إلى أنه من المستحيل. لقد شكلت الصور التي تم التقاطها في قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي فألا حسنا خصوصا مع بدايات العام الجديد 2021 الذي نأمله خيراً، بعد عام كورونا الذي عصف بالجميع دولا وأفرادا، لقد طغت معاني روح الإخاء والود التي بدت على الجميع، وخيمت على أجواء قاعة المرايا، وحثت الكلمات التي أكد عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على ضرورة التضامن والاستقرار وطي صفحة الأزمة القطرية، و قدمت المملكة بوادر حسن النية بفتح الأجواء والمعابر وعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الرباعي العربي، السعودية ومصر والإمارات والبحرين وبين قطر إلا أن ذلك (في تقديري) لا يشكل إلا حركة في المكان، أو ربما مجرد خطوة يجب أن يتبعها الكثير. المملكة العربية السعودية ومعها مصر والإمارات والبحرين تدرك التحديات الهائلة التي تحيط بالمنطقة العربية ومنها الأطماع التركية والإيرانية، والتحولات الحدية في المشهد الدولي بعد نتائج الانتخابات الأمريكية وهو لا شك يعيد إلى الأذهان أحداث الخريف العربي وما تلاها من تمزيق دول مثل ليبيا وسوريا واليمن وتعويق عجلة التنمية الاقتصادية في مصر وتونس والجزائر. النجاح الذي حققته قمة العلا يضاف إلى تراكمات الإنجازات التي تحققها المملكة كل يوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي يحسب له تحقيق المصالحة، ولم الشمل العربي، وتضميد الجراح في الوقت الذي تواجه منطقتنا تحديات أقل ما توصف بالاستثنائية، فالتحديات لم تعد إقليمية فقط بل تجاوزت ذلك بكثير، وهو ما يفرض على المملكة أن تعيد اللحمة الخليجية والعربية وأن ترمم محيطها كي تصد الاتهامات القادمة من وراء المحيط، والتحديات الآتية من خلف الخليج، يدرك ولي العهد ان المنطقة تمر بمرحلة استثنائية تستلزم بل تفرض تضميد الجراح، رغم الألم والمرارة هكذا هو شأن الكبار سواء كانوا دولا أو أفرادا. لقد فرضت قمة العلا واقعا جديدا، من حيث ترتيب الأولويات، من حيث إدراك أهمية التخندق العربي ضد تهديدات الأمن القومي العربي، من حيث مراعاة أن فضائل الإخاء العربي تعلو مثالب الشقاق والقطيعة، فإن الدم لا يمكن أن يتحول أبداً إلى ماء، دائما وأبدا تثبت القيم العربية الأصيلة علوها وسموها فوق ما سواها حتى لو خفتت لبرهة من الزمن بفعل تصور لحظي خاطئ، فالكبار يظلون كبارا، وان عناصر الجغرافيا والتاريخ والدور ليست طارئة فهي تراكمات عبر التاريخ، وليست وليدة مرحلة طارئة. لا أحد في العالم العربي يتمنى عودة مناخ ما قبل قمة العلا الذي بدأ في 5 يونيو 2017 باستثناء جماعة الإخوان الإرهابية، وأخواتها من الجماعات الإرهابية وأيضا إيران وتركيا، فجميعنا مع المصالحة، جميعنا مع عودة قطر دولة عربية مهمة تؤدي دورها في لم الشمل وتعميق قيم الإخاء العربي، دولة تدرك حجمها وهو معتبر، تدرك دورها وهو مقدر، شأنها في ذلك شأن العديد من الدول العربية. ** ** كاتب صحفي مصري - مدير مكتب مؤسسة روز اليوسف الصحفية بالمملكة