كل يوم في تاريخ المملكة العظيم سجل حافل بالمجد والمواقف المشرفة، لتُسجل العُلا اليوم وثيقة تاريخية عن كيفية التغلب على المصاعب وتوحيد الصف وتعزيز اللحمة الخليجية في مواجهة التحديات والمخاطر التي تحيط بالمنطقة، تحت قُبة قاعة المرايا في العُلا شهدت فرحة لم الشمل الخليجي الذي ألجم أفواه الحاقدين والمُنتفعين من تلك الخلافات. قمة العُلا قمة استثنائية بل إنها حققت ما يطمح إليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في جعل الشرق الأوسط أوروبا الجديدة، وهذا ما أجمع عليه المحللون السياسيون. مكانة رفيعة وقال الدكتور عبدالله العساف -أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام-: "عندما ننظر في أولويات السياسة الخارجية السعودية نجد أن دول الخليج العربي تحتل الصدارة في سلم الاهتمام السعودي، ولطالما كانت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ انطلاق مجلس التعاون وهي حاضنة لتلك التجربة الوحيدة والفريدة، وداعمة لكل خطواتها في مواقف علمية يسجلها تاريخ المنطقة والعالم بكل الفخر والتباهي، ولعل في رؤية خادم الحرمين الشريفين التي أعلنها العام 2015 لتعزيز وحدة الخليج خير شاهد على ذلك، فهي جاءت امتداداً لدور المملكة الفاعل والمؤثر في دعم مسيرة التعاون الخليجي، وفق استراتيجية محددة لتحقيق التكامل المنشود بين الدول الأعضاء". وتابع الدكتور: "فلا يمكن نسيان الدور المحوري الذي يقوم به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز منظومة مجلس التعاون الخليجي، والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره وتماسكه وسط الاضطراب الذي تعاني منه المنطقة، وفي ظل التدخلات الخارجية التي تحاول العبث في شؤون دول المنطقة، والإساءة للعلاقات الوثيقة والتاريخية بين دول وشعوب مجلس التعاون، ولعلي استشهد بما قاله سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (سياسة أشقائكم في المملكة ثابتة ومستمرة.. تضع في مقدمة أولوياتها مجلس تعاون خليجي موحد وقوي) هذا التأكيد من لدن سمو ولي العهد على سياسة المملكة ونهجها الراسخ في تحقيق المصالح العليا للمنظومة الخليجية، يعكس ريادة الدور السعودي التاريخي تجاه مجلس التعاون والحرص الكامل على وحدة الصف ونبذ الخلافات وتعزيز المكتسبات لما فيه خير دول وشعوب المجلس، امتداداً لدورها في تعزيز العمل العربي المشترك، وهو ما عكسته مخرجات قمة العلا التاريخية من نجاح المملكة في تهيئة الأرضية المناسبة لعقد قمة السلطان قابوس والشيخ صباح بمشاركة جميع الدول، الأمر الذي يؤكد على المكانة الرفيعة التي تتمتع بها لدى الجميع خليجياً وعربياً، فالأسرة الدولية تشهد على جهود السعودية في توحيد الكلمة، ومعززة لمسيرة الخير والازدهار ليس خليجياً فحسب بل دولياً، من اتفاق الطائف، إلى جمع الفرقاء الفلسطينيين، والأفغان، والمصالحة الإريترية - الإثيوبية، وغيرها من الأعمال الإنسانية التي جعلتها تتصدر المقدمة في ترتيب الأممالمتحدة للدول المانحة". علاقة وثيقة وأضاف الدكتور العساف: "وعلى الجانب الآخر يرتبط سمو ولي العهد بعلاقات وثيقة ومتميزة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وقادة الدول العربية، تعكسه حرصه على تبادل الزيارات رفيعة المستوى لتنسيق المواقف وتكاملها بكل ما من شأنه الحفاظ على وحدة الكيان الخليجي وتعزيز أمن المنطقة ككل وتقويته لمواجهة التهديدات والتحديات الإقليمية، ولعل أبناء الخليج على وجه الخصوص تداولوا وبكثافة لحظات الاستقبال وكلمات الترحيب التي حيا بها سمو ولي العهد الأمير تميم، كما تداولت القنوات الفضائية المصافحة الخاصة في قمة العشرين في الأرجنتين التي جمعت بين سمو ولي العهد والرئيس بوتين، وليس بهذا غريب على قائد يمتلك رؤية تنموية لمنطقته بشكل عام حيث يؤمن سمو ولي العهد بأن جهود التنمية التي تشهدها المنطقة العربية وبالذات دول الخليج ستحولها إلى منطقة جذب متميزة من شأنها زيادة معدلات تنمية تلك الدول وفرص جذب الاستثمارات وتحسين حياة شعوبها وزيادة معدلات انخراطهم في أسواق العمل والفرص في القطاعات الجديدة والواعدة". أنجح القمم الخليجية وعبر الدكتور صالح المالك -عضو الهيئة العلمية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية- بقوله: "من وجهة نظري الشخصية ومن وجهة نظر النقاد والمحللين السياسيين تعد قمة العُلا من أنجح القمم الخليجية منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي العام 1981، فقمة السلطان قابوس والشيخ صباح -يرحمهما الله-، قمة رائعة في توقيتها وفي مكان انعقادها تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ورئاسة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، كان الإعداد والتحضير لها ممتازاً بجميع المقاييس، وهي تعد قمة المصالحة الخليجية والعربية وعودة قطر إلى بيتها الخليجي وعودة الشعب القطري إلى أهلهم وإخوانهم، لقد نجحت قمة المصالحة قبل أن تبدأ، فنجحت بالدور الكويتي للإصلاح ولم الشمل ورأب الصدع، ومن ثم قبول القيادتين السعودية والقطرية وكذلك دول المقاطعة بالعودة إلى الصلح والتعاون المتبادل بين الدول الخليجية والعربية ووحدة الصف العربي، للوقوف ضد جميع التدخلات الخارجية في الشأن الخليجي والعربي، ليكون العناق الحار بين الشيخ تميم بن حمد أمير قطر وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أكبر دليل على نجاح قمة المصالحة الخليجية العربية، فهذه القمة سوف يكون لها دور كبير بإعادة المياه إلى مجاريها وبشكل أفضل بكثير من ذي قبل، حيث شمل الاتفاق التعاون الأمني والعسكري وكذلك التعاون الصحي والتجاري والسياسي لكي تكون دول الخليج وشعب الخليج أكثر وداً وحباً وتقارباً، لتصبح دول الخليج العربي دولاً لجميع أبناء الخليج تجارياً وصحياً وتنقلاً وتملكاً وغيرها مما يقوي أواصر المحبة والألفة بين دول الخليج العربي قيادات وشعوباً للوقوف ضد جميع من يحاول المساس بأمن المنطقة وأبنائها والوقوف صفاً واحداً ضد المخربين من دول أو منظمات إرهابية". وأضاف الدكتور صالح: "وقد دأبت المملكة العربية السعودية منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبد العزيز -يرحمه الله- وأبناءه البررة من بعده -يرحمهم الله- وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان على الوقوف مع جميع الدول العربية ومساعدتها مادياً وسياسياً لتخطي جميع الصعوبات والعقبات وبذل الغالي والنفيس ليعم الأمن والاستقرار في جميع الدول، والمساهمة بالقضاء على الإرهاب والمنظمات الإرهابية المنتشرة في أغلب البلدان العربية، والمدعومة من حكومة إيران وغيرها من الدول التي تعمل على زرع الخلاف والفتن بين الدول العربية والإسلامية، كما نتمنى من الله -جلت قدرته- أن يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بتحقيق مساعيهم الخيرة في خدمة الإسلام والمسلمين، وأن يعم الأمن والسلام جميع أرجاء العالم، وأن يرفع الوباء عن سائر أرجاء العالم. الاستثمار في الشعوب ومن جانبه علق الدكتور علي الخشيبان -الكاتب والمحلل السياسي-: "قناعات سمو ولي العهد تنطلق من أسس سياسية واضحة حول المنطقة والفرص التنموية التي تتمتع بها دول الخليج، ولعل من المهم الاستشهاد برؤية المملكة، والتي تسعى في مفاهيمها إلى تعزيز عمليات الاستثمار وتقليل الاعتماد على البترول واستثمار الموارد الطبيعية والثقافية والبشرية، لتحويل السعودية ومعها الدول الخليجية إلى منطقة جذب تنموي واستثماري وثقافي، والحقيقة أن دول الخليج وخلال السنوات الماضية تحقق الكثير من الإنجازات وعلى جميع المستويات، وخاصة أن الدول الخليجية وخلال العقود الماضية عملت وبشكل جاد على الاستثمار في شعوبها عبر توفير مقومات الحياة الطبيعية من جودة في التعليم، والصحة، وتنمية شاملة في البنى التحتية، ولعل رؤية سمو ولي العهد تعكس الرغبة الجادة من سموه نحو لفت الانتباه في دول الخليج إلى أن المنطقة الخليجية قادرة على منافسة اقتصادية وتنموية عالمية تحقق تطلعات شعوبها، فالثروات الطبيعية والبشرية والثقافية كلها فرص ثمينة يمكنها أن تحول المنطقة الخليجية إلى مركز اقتصادي عالمي تتحقق فيه المقومات المناسبة للاستثمارات الدولية وتتحقق فيها المعاير الأفضل لجودة الحياة عبر توفير مقوماتها الرئيسة من تعليم وصحة وتنمية مستدامة". أهداف سياسية وتابع الدكتور: "لا شك أن رؤية سمو ولي العهد للمنطقة تأتي من اطلاعه الكامل وفهمه و إدراكه لكل المقومات التي يمكنها تحويل هذه المنطقة في المستقبل إلى منطقة ذات تأثير دولي في جميع المجالات، فالمنطقة الخليجية غنية بثرواتها التاريخية والبشرية والثقافية وكذلك الطبيعية، وليس هناك ما يمنع من تحقيق تفوق هذه المنطقة، فهي جغرافياً تعتبر الأهم عالمياً، فالخليج يربط بين أهم قارات العالم ويتحكم في أهم الممرات البحرية، كما تمتلك دول الخليج الثروات الطبيعية التي تؤهلها للعب دور عالمي مؤثر في المسار الاقتصادي الدولي، كما أن وجود المملكة العربية السعودية ضمن مجموعة العشرين يجعل من هذا التصور القائم على تحويل المنطقة إلى أوروبا الجديدة ممكناً، حيث تشكل المملكة دوراً بارزاً في الاقتصاد العالمي وتتحمل بمكانتها الإسلامية والعربية دوراً مهماً يؤهلها لقيادة المنطقة نحو التحولات الجذرية والنقلة الحضارية للمنطقة، ومن الطبيعي أن الإنجازات السياسية الكبرى لا تحدث في ظل وجود الثغرات أو الخلافات السياسية لذلك سعت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين إلى قيادة كل مصالحة سياسية في المنطقة الخليجية بهدف الوصول إلى أهداف سياسية تعود بالنفع على جميع الدول وتحقق مصالحها العليا، وهذا ما شهدناه تاريخياً وخلال قمة العلا التي أنتجت المصالحة الخليجية بين دولة، والتي سوف تشكل دفعة قوية في تحقيق طموحات دول المنطقة وقياداتها السياسية لمواجهة التحولات الإقليمية والدولية". تحقق لم الشمل وقال الدكتور سامي المرشد -محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية-: "ذكر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في أكثر من مناسبة أن طموحه أن تتحول منطقة الخليج المنطقة العربية إلى أوروبا جديدة وهذا ما تترجمه لنا رؤية 2030 والتي يتبناها ويرعها، ويعني هذا النمو والتقدم التكنولوجي والصناعي والازدهار بجميع التخصصات والمجالات، وهذا في الواقع لزام على قادة دول المجلس ورؤية خادم الحرمين الشريفين أن تتحقق في لم شمل دول الخليج العربية التي هي نواة هذا الطموح بما حققته من طفرات اقتصادية وعمرانية وثقافية وسياحية كبيرة وملفتة، لذلك أتت قمة العُلا بدعوة من خادم الحرمين الشرفين وتحت رعاية -حفظه الله- والتي ترأسها نيابةً عنه سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وحضور قادة ومُمثلي دول مجلس التعاون وجمهورية مصر العربية انطلاقة جديدة لمنظومة هذا المجلس الذي ترعاه المملكة وتهتم به، ليكون هذا اليوم يوماً مشهوداً لجهود الكويت، وتقديراً لمساعي صاحب السمو أمير الكويت نواف الأحمد ومن قبله المغفور له صباح الأحمد والتي قامت المملكة بقبول هذا الوساطة وفتح الحدود البرية والبحرية والجوية للأشقاء في قطر إيذاناً بإنهاء المقاطعة وعودة المياه لمجاريها، وبدورها تعود قطر إلى حضنها الخليجي لتكتمل هذه الحلقة المباركة من الدول الخليجية لاستمرار مسيرة البناء والتقدم ووضع كل ما يلزم من ترتيبات أمنية للحفاظ على هذه المكتسبات ومنع الأطماع الإيرانية وغيرها في المنطقة التي تحاول الاستفادة من الخلافات الخليجية، إذاً كانت قمة ناجحة وتاريخية، فاختيار مدينة العُلا في المملكة العربية السعودية رمز لهذه الرؤية، ولنمو وتطور السياحة والثقافة في المنطقة الخليجية لاسيما في المملكة، إذن جميع دول مجلس التعاون ومن خلفهم الدول العربية في اتجاه إلى إنهاء النزعات وإنهاء الحروب، ومساعدة الدول على بناء الإنسان ومن ثم العمران والمشروعات بكافة أنواعها الصناعية والزراعية والسياحية، ليتسنى لدول مجلس التعاون قيادة الأمة العربية نحو غد أفضل، وأن يتم إزالة جميع هذا العقبات، وأن يتحقق التضامن العربي لعودة التعافي إلى الدول العربية المضطربة في الجوار ولا سيما العراق، وكذلك سورية، ولبنان، وإنهاء الأزمة اليمنية، ومنع التدخلات الإيرانية، وخروج جميع القوات المحتلة والقوات الأجنبية، لتكتمل مشروعات التنمية والتكامل الخليجي والعربي لتحقيق رؤيته -حفظه الله- في أن تكون هذه المنطقة -منطقة الشرق الأوسط- منطقة جذب سياحي وتجاري، بعد أن كانت لعقود تتأثر بالقلاقل والحروب والمشكلات، وهذه الثروات المُهدرة سوف توجه كلها للتنمية وللبناء والإعمار في الدول العربية كافة، مما يساعد على تنقل رؤوس الأموال وزيادة التنمية بما يحقق طموحات جميع أبناء الوطن العربي.