شهدت العلا؛ ملتقى الحضارات والشعوب والثقافات؛ نهاية الخلاف الخليجي وأزمة الأعوام الثلاثة، وحفرت اسمها بين محافظات المملكة الأخرى الحاضنة للقمم، وعززت في الوقت عينه مكانتها السياحية، وبرزت كواجهة سياسية جديدة مستحقة، عطفاً على إرثها التاريخي والثقافي، وحضانتها لحضارات متعاقبة تُقدم للمعتبرين الدروس والعبر. نجحت المملكة بحكمة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وجهود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بإعادة الوئام والتوافق إلى القمم الخليجية، بعد غياب دام ثلاث سنوات، ما يعكس دورها المحوري وثقة القادة الخليجيين بها، وبقيادتها. المتابع لتصريحات المسؤولين الخليجيين الإعلامية قبل، وخلال، وبعد انعقاد القمة، يكتشف حجم ثقتهم بقيادة المملكة وحكمتها، وتفويضهم التام لها في إنهاء ملف الأزمة، وهي ثقة مستحقة لما يكتنزه قادة هذه البلاد من حب، وتقدير لهم وحرص على أمن دولهم وازدهارها والمنطقة عموماً. مارست القيادة السعودية دورها الريادي، وتحملت مسؤولياتها تجاه شقيقاتها ما حملها على تجاوز الخلافات وتهيئة الظروف المناسبة لإنجاح القمة، وقيادتها إلى بر الأمان، وتحصين منظومة مجلس التعاون من التدخلات الخارجية. طوت قمة العلا صفحة الخلافات، وأقرت التنفيذ الكامل و»الدقيق» لرؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، الإستراتيجية الهادفة لتطوير المجلس، وتحقيق مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة والسياسة الخارجية الموحدة. كما شددت على استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، وتحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة؛ إضافة إلى تعزيز التكامل العسكري تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك واللجنة العسكرية العليا والقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون. أعتقد أن المتفائلين بانعقاد القمة، لم يتوقعوا حجم النتائج المتميزة التي تحققت والتي تضمنها بيان العلا، ما يؤكد حجم العمل المضني الذي أدى إلى تلك المخرجات المتميزة، والذي أداره بكفاءة سمو ولي العهد، وعززه بحضوره، ورئاسته القمة، وتعزيزه الأجواء الأخوية التي أعطت الاجتماعات بعداً إنسانياً تحكمه العلاقات الأسرية الطبيعية، لا الدبلوماسية المُتكلفة. كل شؤون القمة تم إعدادها بدقة متناهية، وكفاءة وقف خلفها سمو ولي العهد، الذي أضفى عليها البعد الأخوي والإنساني وعراقة أهل الجزيرة العربية ونخوتهم ومبادرتهم في احتضان إخوتهم مهما كان بينهم من خلافات سابقة. تتميز العلاقات الخليجية بطابعها الأسري، والتقدير المتبادل بين القادة، حيث يُعد فيه التسامح، وتجاوز أسباب الخلاف كسمة من سمات النبلاء الذين يجدون فيها المعنى الحقيقي لكرم النفس، وعلو الهمة، والحكمة، وتطييب الخاطر، ولم الشمل الذي لا غنى عنه بين الاخوان. ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أكد في كلمته على أن اتفاق «بيان العلا» يُشدد على «التضامن والاستقرار الخليجي والعربي والإسلامي، وتعزيز أواصر الود والتآخي بين دولنا وشعوبنا، بما يخدم آمالها وتطلعاتها». وأجزم أن الاتفاق التاريخي أعاد رسم مستقبل مجلس التعاون الخليجي، وعلاقاته الإقليمية، ومرجعيته المهمة، ودوره في تحقيق التنمية الاقتصادية، والأمن الإستراتيجي، و تعزيز التعاون العربي والإسلامي، وبما يخدم أمن واستقرار وازدهار دول الخليج والمنطقة عموماً.