أتلقى منذ بعض الوقت هدايا صغيرة من معهد سخي في الولاياتالمتحدة. والهدايا عبارة عن تراجم رفيعة المستوى لمقالات من الصحف العربية يقوم المعهد بإرسالها لي بالبريد الإلكتروني كل بضعة أيام دون أي مقابل مالي. المؤسسة التي تقوم بعمل هذه التراجم وتصديرها هي مركز أبحاث إعلام الشرق الأوسط - يرمز لها اختصارا بالانجليزية ب «ميمري» ومقرها في واشنطن غير أنها افتتحت مكاتب لها مؤخرا في لندن، برلين ،القدس. يتلقى المركز دعما ماليا على حساب دافع الضرائب الأمريكي باعتباره مؤسسة مستقلة غير منحازة وغير ربحية كما أنه يتمتع بمعاملة ضرائبية خاصة وفقا للقانون الأمريكي يتمثل هدف «ميمري» وفقا لما هو مذكور في موقعه على الشبكة الإلكترونية الدولية في إقامة جسر بين الغرب - حيث يتحدث قليلون بالعربية- والشرق الأوسط عن طريق توفير تراجم في حينها من وسائل الإعلام العربيةالفارسية والعبرية. ثمة أشياء عديدة تثير لدي القلق كلما طلب مني أن أنظر في موضوع تداولته«ميمري». تشويه صورة العرب بادىء ذي بدء إنها مؤسسة يشوبها الغموض لا يوفر موقعها على الشبكة الدولية أية أسماء لأشخاص يمكن الرجوع إليهم كما لا يتضمن أيضا على عنوان لمكتبها يصدمني مثل هذا الحذر المفرط من قبل مركز يرغب فقط في هدم حواجز اللغة بين الشرق والغرب الأمر الثاني الذي يسبب لي القلق هو أن الموضوعات التي تقوم «ميمري» باختيارها للترجمة تتخذ وجهة مألوفة: إما أنها تنقل صورة سيئة للشخصية العربية وإما أنها تخدم بشكل ما البرامج السياسية لإسرائيل ولا أجدني منفردا في هذاالقلق. تحدث إبراهيم هوبر من مجلس العلاقات الأمريكية- الإسلامية لصحيفة «واشنطن تايمز» قائلا: نوايا ميمري هي البحث عن أسوأ التعليقات الممكنة من العالم الإسلامي ونشرها على أوسع نطاق ممكن. قد تدفع ميمري بالقول إنها تسعى نحو تشجيع الحداثة عن طريق التركيز على الأمثلة الأكثر وضوحا لعدم التسامح والتطرف ولكن إذا كان الأمر كذلك فان المرء يتوقع لمصلحة عدم الإنحياز- نشر مقالات متطرفة من وسائل الإعلام العبرية أيضا رغم زعم ميمري أنها تقوم بتوفير تراجم من وسائل الإعلام العبرية لا أذكر أنني تلقيت أياً منها، يقدم موقع ميمري على الشبكة الدولية دليلا يثير الشك في وضعها غير المنحاز فإلى جانب دعم الديمقراطية الليبرالية. المجتمع المدني والسوق الحر. يؤكد المركز أيضا على «العلاقة الوثيقة المستمرة للصهيونية بالشعب اليهودي وبدولةإسرائيل». القائمون على المركز يتكشف السبب وراء السرية التي تحيط بميمري عندما ننظر إلى الذين يقفون وراء المركز. رئيس مركز ميمري وأحد اثنين من مؤسسيه. والمالك المسجل لموقع المركزعلى الشبكة الدولية. هو إسرائيلي يدعى إيقال كارمون.قضى السيد «أو بالأحرى العقيد» كارمون 22 عاما في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وعمل بعد ذلك كمستشار في مكافحة الارهاب لدى اثنين من رؤساء الوزارة في إسرائيل. إسحاق شامير وإسحاق رابين المؤسس الآخر لميمري بجانب العقيد كارمون هي ميراف ويرمزر وهي تقوم أيضا بادارة مركز سياسة الشرق الأوسط بمعهد هودسون القائم في انديانابوليس الذي يعرف نفسه بكونه المصدر الرئيسي في أمريكا للبحوث التطبيقية في تحديات السياسة المستدامة انضم مؤخرا إلى مجلس أمناء معهد هودسون ريتشارد بيرل رئيس لجنة سياسة الدفاع بالبنتاغون «وزارة الدفاع الأمريكية» ويعرف عنه أنه شخصية واسعة الانتشار والآنسة ويرمزر هي مؤلفة لورقة أكاديمية بعنوان: هل تستطيع إسرائيل الصمود فيما بعد الصهيونية؟ وتقول ويرمزر إن المثقفين اليساريين الإسرائيليين يمثلون أكثر من خطر عابر لدولة إسرائيل يقوضون روحها وينالون من ارادتها للدفاع عن النفس لا يجادل أحد على قدر علمي في دقة تراجم ميمري غير أن هناك أسباباً أخرى تدعو للقلق حول نتاج عملها. قطع آذان العراقيين كانت الرسالة الإلكترونية التي جرى تداولها قبل أسبوعين حول أوامر صدام حسين بقطع آذان الرافضين للخدمة في الجيش العراقي مقتطفة من مقال طويل في صحيفة «الحياة» العربية لعادل عودة الذي زعم أنه كان على دراية سابقة بالأمر. كان الأمر في الواقع نوعا من القصص المتعلقة بالأعمال الوحشية العراقية التي تسعد الصحف بإعادة نشرها دون تحقق ولاسيما في أجواء حمى الحرب الراهنة وأيضا برزت مزاعم السيد عودة للعلن أول مرة قبل نحو أربع سنوات. وكانت لديه حينئذ أسباب شخصية قوية لإعلانها وحسب تقرير ل «واشنطون بوست» في عام 1998كان الزعم الخاص بقطع الآذان جزءا من الطلب الذي قدمه للحصول على لجوء سياسي في الولاياتالمتحدة في ذلك الوقت. كان عودة واحدا من ستة عراقيين محتجزين في الولاياتالمتحدة للاشتباه في كونهم ارهابيين أو عملاء للاستخبارات العراقية وكان يحاول تبيين أن الأمريكيين قد قاموا بارتكاب خطأ. تآمر على المملكة في وقت مبكر من هذا العام قامت «ميمري» بترجمة مقال نشر في صحيفة سعودية قال فيه أحد كتاب الزوايا إن اليهود يستخدمون دماء الأطفال المسيحيين أو المسلمين في فطائر لاحتفالات البوريم «مناسبة دينية يهودية».واكدت ميمري أن الكاتب وهو استاذ جامعي اعتمد على اسطورة معادية للسامية تعود إلى العصور الوسطى يكشف هذا الأمر أكثر من أي شيء آخر عن جهل كثيرين من العرب - حتى من أصحاب التعليم العالي- باليهودية وإسرائيل. واستعدادهم لتصديق مثل هذه القصص!! جاء الافتراء الثاني ل «ميمري» بعد شهر على تلك الواقعة عندما كتب سفيرالمملكة لدى لندن قصيدة بعنوان «الشهداء» عن المفجرين الاستشهاديين، وجرى نشرها في صحيفة عربية تصدر بلندن قامت «ميمري» بتوزيع مقتطفات مترجمة من القصيدة التي وصفتها بكونها تقريظا للمفجرين الاستشهاديين. القول بان الرسالة الحقيقية للقصيدة هي ما ذهبت إليه «ميمري» ينطوي على تأويل وبشكل أكثر احتمالا للقبول يمكن قراءة القصيدة باعتبارها إدانة للعجز السياسي العربي غير أن ترجمة «ميمري» جرى نقلها - دون تشكيك- بواسطة وسائل الإعلام الغربية.لا ينبغي النظر إلى هذه الوقائع المرتبطة بالمملكة العربية السعودية في معزل عن أنها جزء من محاولة لإقامة دعوى ضد المملكة وإقناع الولاياتالمتحدة بمعاملتها كعدو بدلا من معاملتها كحليف انها حملة ظلت تروج لها الحكومة الإسرائيلية والمحافظون الجدد في أمريكا منذ مطلع هذا العام ضد المملكة العربية السعودية. الأجندة اليهودية يتضح لكل قارىء منتظم للصحف العربية أن الموضوعات التي تركز عليها «ميمري» هي تلك التي تلائم أجندتها وأن الموضوعات لا تمثل محتوى الصحف بشكل شامل يتمثل مكمن الخطر في أن كثيرين من أعضاء مجلس الشيوخ ورجال الكونغرس و مشكلي الرأي من الذين لا يقرءون العربية غير أنهم يحصلون على رسائل «ميمري» الإلكترونية قد ينطبع لديهم أن هذه النماذج لا تعبر عن الحقيقة وحسب وإنما أيضا عن سياسات الحكومات العربية. يبدو العقيد كارمون متحمسا لترسيخ هذا الاعتقاد لديهم وقد قام في ابريل الماضي في واشنطن اثناء جلسة استماع للجنة العلاقات الدولية بالمجلس بوصف وسائل الاعلام العربية بكونها جزءا من نظام تلقيني واسع ترعاه الحكومة. و قال العقيد الإسرائيلي: تنقل وسائل الاعلام الموجهة التابعة للحكومات العربية كراهية الغرب وبشكل خاص الولاياتالمتحدة وأضاف: قبل 11 سبتمبر كان من المألوف رؤية مقالات تدعم علانية بل وتدعو إلى هجمات ارهابية ضد الولاياتالمتحدة !! وأضاف ان الولاياتالمتحدة يتم مقارنتها في بعض الأحيان بألمانيا النازية. الرئيس بوش بهتلر. وغوانتانامو باوسشويتز. ليس صعبا تدبر ما يمكن للعرب فعله لمواجهة ذلك ومن الممكن أن تقوم مجموعة من المؤسسات الصحفية العربية معا بنشر تراجم لمقالات تعبر بشكل صحيح عن محتوى صحفهم. لن يكون مثل هذا الأمر فوق طاقتهم لكن وكالعادة قد تفضل هذه المؤسسات ألا تقوم بعمل مكتفية بالتذمر من مؤامرات محنكي الاستخبارات الإسرائيلية.