كتبت يوم الجمعة الماضي عن ترجمات معهد "ميمري" عن الصحف العربية الى الإنكليزية، فلم ينقضِ النهار حتى كنت أتلقى بالفاكس رسالة تدافع عن عمل المعهد، وقعها يوتام فيلدنر، مدير الأبحاث في "ميمري" الذي زاد انه من "العصابة" التي تدير المعهد رداً على ما ورد في مقالي. جهد صاحب الرسالة وزملائه يستحق ان يلاحظ، فالرد جاء سريعاً، على رغم فارق الوقت بين واشنطن ولندن، وسأحاول هنا أن أنشر ما أستطيع منه، لأن حجمه يزيد على حجم هذه الزاوية. فيلدنر يقول: انت تدعي ان نظرة سريعة الى ما يترجم "ميمري" عن الصحف العربية تظهر انه يختار "أسوأ المنشور"، ولكن فاتك اننا ترجمنا بعض مقالاتك ولا نعتبرها أسوأ المنشور. أقول أنا ان هذا لم يفتني وأنه صحيح، ولكن كنت قلت قبل ذلك "هناك دائماً ترجمات معقولة لإضفاء موضوعية زائفة على العمل" فلعل مقالاتي تدخل تحت هذه الصفة. وتكمل الرسالة ان "ميمري" يترجم لكتّاب ليبراليين، مثل زميلنا حازم صاغية والصديق علي سالم والصديق الآخر عبدالحميد البكوش، رئيس وزراء ليبيا الأسبق. وتزيد ان من المهم ان يعرف الغرب بوجود حملات صحافية سعودية ومصرية عليه، فما فائدة الشكوى من السياسة الأميركية إذا كان الأميركيون وصانعو القرار عندهم لا يعرفون عنها. وتتحدث الرسالة بعد ذلك عن حالات "لاسامية" في صحف مصرية وسعودية، وتشير الى موضوع عادل عوض وقطع آذان الفارين من الجندية في العراق، الذي نشرته "الحياة"، وتنتهي بالقول: أرجو بإخلاص ان يقبل اصدقاؤك من وزراء الإعلام العرب نصيحتك، فينشئوا وحدة الترجمة التي تقترحها لأنه اذا عكست الترجمة صورة صحيحة للمنشور كما قلت في زاويتي فستجد انها لا تختلف كثيراً عما يفعل "ميمري" اليوم. بما ان كثيرين من وزراء الإعلام العرب اصدقاء شخصيون، وهو ما سجلته على نفسي بشجاعة في المقال السابق، فإنني اعرف انهم لن ينشئوا "وحدة ترجمة"، وإذا فعلوا، فلن يعرفوا كيف يوصلون المترجم الى حيث يجب ان يصل. غير انني أبقى مع مجمل الرسالة، فأقول ان هناك لاسامية في كل بلد، ولا دفاع عنها البتة، فلا أزيد سوى ان "اللاسامية" العربية مستوردة من أوروبا، بما في ذلك كذبة ان اليهود يجبلون الفطائر بدماء الأطفال المسيحيين والمسلمين في الكذبة الأصلية التي شاعت في اوروبا في القرن التاسع عشر وقبله كان الحديث عن دماء اطفال مسيحيين فقط. اهم من مقالي كله والرد عليه نقطة واحدة، ربما كانت وراء تعليقي على ما ينشر "ميمري"، او على تفاهات "الديلي تلغراف" و"الصنداي تلغراف". النقطة هي انني افهم ان يؤيد يهود العالم اسرائيل وينتصروا لها، فالعرب المسلمون يؤيدون فلسطين والفلسطينيين وينتصرون لها ولهم. غير انني لا أفهم ان تجد حكومة اسرائيلية من يدافع عنها حتى عندما يترأسها مجرم حرب هو آرييل شارون. هذا لا ينفي ان بعض افضل من يدافع عن الفلسطينيين وقضيتهم هم من اليهود في اسرائيل والولايات المتحدة، ويجب تقديرهم. مناحيم بيغن بدأ حياته ارهابياً وانتهى بصنع اكبر صفقة سلام في تاريخ إسرائيل، فالموضوع ليس ليكود او العمل، وإنما السلام. وفي مقابل بيغن، هناك في الحكم اليوم آرييل شارون الذي بدأ إرهابياً ويريد ان ينتهي كإرهابي اكبر، فهو لا يملك مشروعاً سياسياً من اي نوع، وإنما يريد فرض استسلام مستحيل على الفلسطينيين بالقوة التي لا يعرف غيرها. سياسة شارون أفرزت أكبر عدد من الفدائيين الانتحاريين في تاريخ العالم الحديث، وربما القديم، وفي مثل هذا الوضع فكل من يؤيد شارون شريك له في الجريمة. "ميمري" ليس معنياً مباشرة بهذا الكلام. فهو انتدب نفسه للترجمة، وأرى ان الترجمات الانتقائية تحول الأنظار عن جرائم حقيقية في الأراضي الفلسطينية يرتكبها الاحتلال ولا يجوز صرف النظر عنها الى كتابات لاسامية حقيرة تدين اصحابها وتفضحهم. وإذا كان لي ان أتجاوز "ميمري" نفسه، فمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى انشئ لخدمة إسرائيل، ولا اعتراض كبيراً عندما تكون اسرائيل سائرة في عملية سلام اعتقدنا جميعاً يوماً انها ستؤدي الى قيام دولتين تعيشان جنباً الى جنب بسلام. غير ان روبرت ساتلوف خلف مارتن انديك وزاد التحريض على الدول العربية والمسلمة حتى عندما وصل شارون الى الحكم. واليوم هناك السفير دنيس روس في رئاسة معهد واشنطن، وقد اعاد نوعاً من التوازن الى عمل المعهد، ونقرأ الرأي والرأي الآخر، مع بقاء انصار لإسرائيل "على عماها" مثل ساتلوف نفسه. المطلوب من "ميمري" ومعهد واشنطن ومراكز البحث الإسرائيلية الهوى، ان تدفع اسرائيل نحو السلام، لا ان تشجع التطرف وتحميه ليستمر قتل الفلسطينيين والإسرائيليين. والدور نفسه هذا مطلوب من الصحافة العربية في التعامل مع الفلسطينيين وأنصارهم، فواجب هذه الصحافة ان تشجع الاعتدال فلا يكون الهدف كل شيء، أو لا شيء، لأنه اذا كان من درس واحد وانتفاضة الأقصى تقترب من نهاية عامها الثاني، فهو ان الفلسطينيين لن يستطيعوا طرد الاحتلال بالعنف، والإسرائيليين لن يستطيعوا تثبيته بالقوة. جهاد الخازن