إن الكاتب هو المثقف العربي الذي تفرزه الأزمات والأحداث في أمته وشاهد عليها في نفس الوقت. وقلم الكاتب هو ضمير الأمة الذي يصرخ بأزماتها، اجتماعية كانت أم فكرية أم سياسية. فالواقع لابد أن ينعكس على مواقف واتجاهات المثقف العربي من حيث قراءته للحدث وتحليله والحكم عليه، والقلم الشريف هو تعبير تجريدي عن الواقع، لا يستطيع أن يجمل الواقع ويحسنه أو يتخيل ويتصور أموراً غير موجودة على أرض الواقع ويدونها على أنها أمور من الواقع، فالمثقف العربي هو أحد الذين يحملون أعباء أمتهم ويعيشون قضاياها ومعاناتها أضعافاً مضاعفة عن الآخرين لإيمانهم بأن جزءاً من المسئولية يقع على عاتقهم لكي يخرجوا أمتهم من تلك الأزمات وهي رسالة مقدسة أكبر من الحدود الجغرافية للوطن تمتد إلى الأمة العربية والإسلامية بأكملها. ولذلك عندما يكون الواقع مظلماً وقاتماً لا يمكن للمثقف العربي والكاتب الشريف أن يصوره وردياً ولا يمكن أن يهتف بالشهامة والشجاعة التي تمارسها أمته، والكرامة في أمته باتت مخدرة. لكن مسئوليته ورسالته المقدسة تجاه أمته والأجيال القادمة تفرض عليه أن ينتزع الشعور باليأس من داخله والروح الانهزامية وكل شعور محبط مهما كان الواقع مريراً، لأن انكسار القلم الشريف المثقف انكسار للإرادة والصوت والضمير، فأمة ماتت إرادة مثقفيها أمة باتت ميتة. فمع الحملات الصهيونية الملتهبة في أوروبا وأمريكا ضد رموز الإعلام العربي لتكميم الأفواه وكسر الأقلام الشريفة لم ولن تكتم الأفواه ولم ولن يرتجف القلم. نحن نملك قضية عادلة ولن يصادر أحد مهما كانت دكتاتوريته واستبداده حق العرب والمسلمين في أن تصرخ كلماتهم وتنبعث مقالاتهم بالحقيقة في وجه من تآمروا علينا ووضعوا إسرائيل في قلب أمتنا نتيجة للتآمر الدولي على الحق العربي. ولن تشيع جنازة قضية عادلة، قضية الحق العربي المغتصب، لأن الإرادة العربية لا يمكن لها أن تموت ومهما طال الليل ستشرق الشمس وسيأتي فجر طال انتظاره عقوداً من الزمن وسنظل على مبدئنا نسمي الأشياء بأسمائها ونقدم رسالتنا إلى أمتنا على أكمل وجه وعلينا أن نعترف بأخطائنا السابقة لا أن نمجدها ونعترف بسلبياتنا ولا نعتبرها منجزات ونعترف بهزائمنا السابقة ونقرُّ بأنها لم تكن انتصارات. وعلى أمتنا الآن أن تتعلم أن تبني ولا تهدم وأن تتنافس بهدوء لا بالشتائم والصراخ وأن نتخذ قراراتنا بكثير من الحكمة والعقل وأن ننفق أموالنا داخل أوطاننا ونؤمن بأن أوطاننا هي المأمن الوحيد على مالنا وعِرضنا وهي سترنا وعزنا. فإذا كانت كلمة حق وكل واقعة مهمة تتناولها الأقلام الشريفة في أمتنا يعتبرها الإعلام المصهين في أوروبا وأمريكا تحريضاً على الكراهية للصهاينة وأمراً يستحق العقاب والمحاكمة..فماذا عن ممارسات إرهاب الدولة الذي تمارسه أمريكا وإسرائيل في حق العرب والمسلمين في العالم، والذي ذهب ضحيته الآلاف من الأبرياء من المدنيين في أفغانستان وفلسطين. إن ما تتناوله أقلام المثقفين في أمتنا العربية هي وقائع مسجلة في صفحات التاريخ وفي ذاكرته التي لا تضعف أبداً وكتب التاريخ مترجمة بكل لغات العالم فعلى تلك الحملات الصهيونية في العالم «أن تحاكم التاريخ» وعليها أن تصادر صفحاته وتمحو الحقائق والوقائع التي تدينها لا أن تفعل ذلك مع الأقلام التي تناولت بعض السطور مما دوَّن التاريخ. لا يملأ الاستياء والغضب العربي والإسلامي فقط ضد ما تقوم به أمريكا وإسرائيل. لقد كتب الكاتب الأمريكي جاكسون ديهل مقالاً يقول فيه: إن الولاياتالمتحدة تتحدث عن الديمقراطية وحرية الكلمة عندما يكون ذلك مناسباً لها ومتفقاً مع مصالحها، فبوش يطالب بوقف حملات الهجوم والكراهية في الإعلام والمعابد ومناهج المدارس ويطالب الدول العربية بزيادة ساحة الديمقراطية والحريات ويطالب العرب في نفس الوقت باتخاذ قرارات تتعارض مع كل ذلك. ويقول الكاتب الأمريكي: إن أمريكا تدافع عن حقوق الإنسان بينما ممارساتها البعيدة كل البعد عن الإنسانية في جوانتانامو دفعت المعتقلين فيها إلى محاولة الانتحار تخلصاً من المعاملة غير الإنسانية والبعيدة عن رقابة أي منظمة من منظمات حقوق الإنسان وأمريكا تعتبر نفسها المدافع عن الحقوق الدينية في العالم بينما تلتزم الصمت تماماً فمّا تقوم به إسرائيل من اعتداءات استفزازية للمشاعر بما ترتكب من تجاوزات واعتداءات على الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية إلى جانب الاضطهاد الديني الذي يعتبر أحد مبادئ السياسة الإسرائيلية. وتمارس إسرائيل سياسة الاغتيالات والإبادة والاعتقال بشكل عشوائي ودون مراعاة لأي اعتبارات قانونية أو إنسانية مرتكزة على الموقف الأمريكي الذي يدعمها دعماً مطلقاً بلا حدود في جميع ممارساتها الإرهابية. وفي مقال نشر في «واشنطن بوست» بتاريخ 8/8/2002م للكاتب مولي مور وجون وارد أندرسون جاء: «إن الممارسات الإسرائيلية مستمرة لأكثر من 22 شهراً من هدم للمنازل وطرد للأهالي وقتل عشوائي ولا أحد يسمع نشطاء حقوق الإنسان لإنقاذ الشعب الفلسطيني من كل هذا البطش الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية». ومع علم الإدارة الأمريكية بكل ما يحدث، لم تنطق الإدارة الأمريكية بكلمة اعتراض أو استنكار للحكم الذي أصدرته المحكمة الإسرائيلية العليا بإطلاق يد القوات الإسرائيلية من هدم لمنازل الفلسطينيين دون انذار مسبق ورفض استئناف 44 أسرة فلسطينية، وبررت المحكمة السماح بهدم المنازل فجأة على من فيها دون انذار مسبق، لأن ذلك ضروري من اجل المحافظة على أمن القوات الإسرائيلية التي تقوم بالتدمير «فالغاية تبرر الوسيلة» إنها قمة الإرهاب والانحطاط الإنساني. ويطرح الكاتبان عدة أسئلة في نهاية مقالهما أهمها: - أليس من حق العرب أن يستفسروا عن هذه التناقضات الرهيبة في السياسة الأمريكية...؟ - وما كل هذه الكراهية للعرب... ولماذا...؟. إن كان هذا ما يكتبه، الصحفيون الأمريكيون في أكبر الصحف الأمريكية فكيف ينكرون على العرب حقهم في الكلمة الحرة وهم أصحاب قضية عادلة وحق مغتصب ويتعرضون لأعتى صور إرهاب الدولة من أمريكا وإسرائيل. ولن تتحرر الأراضي العربية المغتصبة من الصهيونية قبل أن تتحرر أمريكا أولاً من الصهيونية التي تحكمها، فأمريكا دولة غير مستقلة ولا تملك حرية القرار.