على مدى أسبوع يدور الجدل بشدة حول الأزمة العراقية، لذلك لن أقدم رأيا ولكنني سأطرح بعض التنبؤات، دائما هناك مغامرة لكن هذا هو التنبؤ الأول: بحلول مثل هذا الوقت من العام القادم ستكون الحرب قد اشتعلت في العراق وسيكون الحديث ساعتها عن الرئيس العراقي صدام حسين بصيغة الماضي، بالقطع ليس من السهل طرح هذا التنبؤ الحاسم خاصة في ظل الجدل الذي شهدته أوروبا وتزايد المعارضة سواء في بريطانيا أو في باقي أوروبا للحرب ضد العراق، بل إن مثل هذا المناخ قد يغري البعض للاعتقاد بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش قدم بعض الدعم لأنصار هذا الموقف عندما قال إنه سيعيد التفكير في استراتيجيته للإطاحة بالرئيس صدام حسين، ولكن مثل هذا الأمل في تجنب الحرب لا يوجد في الحقائق المسيطرة على الموقف، فهذا الاعتقاد يعكس انفصالا عن السياسات العالمية الجديدة، لقد دخلنا عصر الإمبراطورية الأمريكية الذي يمتد فيه «مبدأ مونرو» ليشمل العالم، وهذا المبدأ أطلقه رئيس أمريكي سابق ويدعو للتدخل في أمريكا اللاتينية في مطلع القرن الماضي لحماية المصالح الأمريكية. فواحدة من أهم الرسائل التي صدرت بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر هي أن العالم كله أصبح فناء خلفيا للولايات المتحدة وهو التعبير الذي كان الأمريكيون يطلقونه على دول أمريكا اللاتينية ويسمحون بمقتضاه لأنفسهم بالتدخل في هذه الدول وضمان خضوعها لنفوذهم، ولهذا السبب أصبحنا نرى القوات الخاصة الأمريكية تعمل في مناطق بعيدة من العالم مثل الفليبين وجبال القوقاز في آسيا الوسطى، فبالنسبة لصناع السياسة الأمريكية الجدد أصبحت الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ضرورية وليست مجرد أمر مرغوب. وقد أوضح ذلك ريتشارد بيرل وهو واحد من أهم مستشاري الرئيس جورج بوش في مقال له بإحدى الصحف الأمريكية، والولاياتالمتحدة ستضرب العراق حتى لو رفضت بريطانيا وباقي الحلفاء المشاركة في هذه الحرب، وأمريكا ستفعل ذلك لمجرد أنها تستطيع ذلك كما أن الرئيس بوش وصقور إدارته في واشنطن يستندون على خطوط إستراتيجية عامة تريد شن هذه الحرب، لذلك لم يكن مفاجئا أن يرفض بيرل المعارضة الواسعة للحرب باعتبارها دعاوى أخلاقية فارغة من جانب جماعات السلام أو نصائح منعزلة من جنرالات متقاعدين، ليس هذا فحسب بل إن بيرل أعاد إلى الأذهان أيام ما قبل الحرب العالمية الثانية وشبه صدام حسين بهتلر وشبه معارضي الحرب بسياسيي أوروبا الذين حاولوا استرضاء هتلر تجنباً لاشتعال الحرب. وتعيد كلمات بيرل إلى الأذهان ذكريات حرب السويس ضد مصر عام 1956 عندما كان يتم تشبيه جمال عبد الناصر بهتلر أيضا تمهيدا لضربه، ولكن المقارنة بين صدام حسين وناصر وكذلك بين حرب السويس والحرب المنتظرة بعيدة جدا، لقد كان الهجوم البريطاني ضد عبد الناصر في حرب السويس الرعشة الأخيرة في النظام الإمبريالي الذي كان يعاني سكرات الموت، لقد حاولت بريطانيا وفرنسا بمساعدة إسرائيل فرض إرادتهما على عبد الناصر بنفس الطريقة التي حاول بهاالجنرال البريطاني غوردون مع الإمام المهدي في السودان أثناء الثورة المهدية في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن اليوم الظروف مختلفة، فالعالم ليس به عدة قوى استعمارية ولكن به قوة عظمى واحدة فقط، وفي حرب السويس تمكن الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور من وقف الحرب بمجرد إجراء عدة مكالمات تليفونية، كما أن الأشخاص الذين يعارضون الحرب في العراق ليس لهم نفوذ يمكن من خلاله أن نرى الحكومة العراقية تستقيل، لذلك يصبح السؤال : كيف ومتى تشتعل الحرب؟، مرة أخرى مجرد تنبؤ: ستنطلق الحرب في الربيع القادم باستخدام قوة جوية كثيفة وقوات خاصة أمريكية ضخمة، لن يكون هجوما بمشاركة جيوش ضخمة، والحديث عن نشر ما بين 70 ألف إلى 150 ألف جندي في المنطقة هو الأقرب إلى الواقع من الحديث عن نشر ربع مليون جندي أمريكي. وقال أحد الجنود السابقين الذين شاركوا في حرب الخليج الثانية أنه يعتقد أن الأمريكيين مقتنعون بقدراتهم على تكرار الاستراتيجية التي طبقوها في أفغانستان وسيعتمدون بدرجة كبيرة على الأكراد والشيعة في العراق وجماعات المعارضة العراقية في المنفى لمواجهة الموت عندما يبدأ القتال داخل المدن العراقية. وهنا تبدأ أقصى درجات الشك.. هل ستهاجم أمريكا؟ الإجابة نعم، هل ستتخلص من صدام حسين؟ الإجابة نعم، ولكن كم شخص سيموتون في هذه العملية وما هي تأثيراتها على منطقة الشرق الأوسط بأكملها؟، نعلم من خلال خبراتنا أن المعارك الجوية التي تسبق أي هجوم بري سوف تقضي على حياة الكثير من المدنيين، كما أن هناك حقيقة معروفة عن العراق وهي أنه لا توجد أماكن لفرار الجيش العراقي، وستعود للأذهان ذكريات حرب الخليج الثانية، وستتقطع السبل أمام قوات المشاة العراقية من جميع الاتجاهات، فالتراجع ناحية إيران أو المناطق الكردية في شمال العراق غير مطروحة، وكذلك الموقف بالنسبة للاتجاه جنوبا نحو الكويت، لذلك لن يكون هناك بديل سوى حصار هذه القوات في الصحراء حتى تموت، وإذا كان بعض هذه القوات قد يقبل الموت بهذه الطريقة فالأمر سيختلف بالتأكيد بالنسبة للحرس الجمهوري، كما أن هناك احتمال استخدام الرئيس صدام حسين ما لديه من أسلحة دمار شامل ضد إسرائيل وطليعة قوات التحالف. بالقطع يأمل الأمريكيون أن يموت صدام حسين برصاصة غادرة أو بقنبلة دقيقة قبل لحظة المواجهة الشاملة، ولكن حتى إذا حدث ذلك فإن هناك خوفاً من تحول الأمور في العراق إلى صراع مدمر، ففي هذه اللحظة لا يوجد بديل واضح للرئيس صدام حسين رغم أن الأمريكيين يشيرون إلى النموذج الأفغاني كمثال يمكن تطبيقه حيث كانت الأولوية لإسقاط نظام طالبان ثم التفكير في إقامة النظام البديل، ولكن الفارق بين العراقوأفغانستان كبير، ففي حين كان إقامة نظام حكم في أفغانستان أيسر بسبب تفتت الفصائل المتصارعة هناك ولم يكن هناك شخص واحد يمكنه مواجهة أمريكا. وقد تم تحذير الرئيس بوش من أنه قد يثير حالة كبيرة من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تشتعل بالحقد والكراهية ضد أمريكا بالفعل، ليس هذا فحسب بل إن المخاطر التي تحيط بحكومات الدول العربية في تلك المنطقة واضحة جدا، وهناك تنبؤات أكثر تفاؤلا وهي ان يتم الأمر من خلال حرب قصيرة وخسائر محدودة في صفوف المدنيين بالإطاحة بصدام حسين ليحل محله نظام حكم ديموقراطي. وقد لا تزيد الاحتجاجات العربية عن بعض المظاهرات التي تطوف الشوارع حاملة الأعلام والشعارات دون أن يحدث ما هو أكثر من ذلك رغم أن الكثيرين من خبراء الشرق الأوسط على الشاطئ الشرقي من المحيط الأطلنطي يشككون في ذلك، والخطر الكبير يكمن في النمو السريع للمشاعر المعادية لأمريكا في الشرق الأوسط. كما أن قوى أخرى متعطشة للانتقام من الولاياتالمتحدة مثل «القاعدة» ستجد في الحرب فرصة لدعم قوتها، يعترف بعض صناع السياسة الأمريكية بهذا لكنهم يؤمنون أن القضاء على صدام حسين يستحق هذه المخاطرة، ولكن المشكلة هي الكراهية التي لا نراها والتي تنمو في ظل الشعور بالانتهاك السائد في العالم العربي والذي تجسد بالفعل في عناصر تنظيم القاعدة، إذن فالتحدي الحقيقي هو تمهيد الطريق السياسي أمام القضاء على هذه الكراهية بدون التضحية بالأمن، وفي هذه الحالة تصبح السياسة هي مفتاح الحل، ولكن هذه السياسة تحتاج إلى اهتمام وصبر لا ينفد.