اهتم الشعراء كثيراً في وصف العيون وابدعوا في ذلك لما لها من سحر، فكم صادت من عاشق وكم القت بفارس في حبال الهوى وللعيون أسماء وصفات عديدة منها الحوراء وهي الأجمل بينها ومنها جاءت تسمية الحور بذلك لاتساع عيونهن والبرجاء وهي الواسعة والكحلاء التي كأنها مكحولة والدعجاء كثيرة السواد وغير ذلك كثير. وقد قال الأصمعي وهو من أشهر علماء النحو واللغة :«ما وصف أحد العيون بمثل ما وصف به عدي بن الرقاع حيث يقول: لولا الحياء وان راسي قد عسا فيه المشيب لزرت أم القاسمِ فكأنها بين النساء أعارها عينيه احور من جآذر جاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم عسا الشيء يعسو عسواً وعسا بالمد (يبس وصلت) وفي بعض المرويات عثا (أي فسد)، وعفا (زال) وجاسم (موضع بالشام) من عمل الجولان ويروى «من جآذر عاسم» قال البكري واظنهما متجاورين والإقساط أن يصيبه السهم فيقتله وهو هنا استعارة أي أقصده النعاس فأنامه «فرنقت» دارت وماجت والسنة بقية آخر النعاس والسنة من الرأس والنعاس من العين والنوم في القلب وقيل الوسنان الذي يقوم من النوم وهو لا يعقل. وهذا جرير أحد أركان المثلث الأموي الشاعر الذي عرف بالهجاء يقول: إن العيون التي في طرفها حورٌ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا الحور هو شدة سواد العين مع شدة بياضها واتساعها وروي في بعض المصادر «حول» وهو تحريف فالحول يكون عيب في العين وليس جمالاً فيها. ويقول في موضع آخر: لولا مراقبة العيون أريننا مقل المها وسوالف الآرامِ ونظرن حين سمعن رجع تحيتي نظر الجياد سمعن صوت لجامِ المقل العيون والمها بقر الوحش والسوالف صفحات العنق والآرام البيض الخالصة البياض من الظباء وتسكن الرمال. وقال علي بن الجهم القرشي: عيون المها بين الرصافة والجسرِ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري أعدن لي الشوق القديم ولم أكن سلوت ولكن زدن جمراً على جمرِ الرصافة: موضع بالجانب الشرقي لمدينة بغداد في أرض الرافدين وتسمى برصافة بغداد والجسر كذلك وقال المتوكل عندما سمعها «خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة». وقال امرؤ القيس وهو جندح بن حجر الكندي: لها مقلة لو أنها نظرت بها إلى راهب قد صام لله وابتهلْ لأصبح مفتوناً معنى بحبها كأن لم يصم لله يوماً ولم يصلْ المقلة العين. والراهب هو الذي انقطع للعبادة واعتزل الناس والمعنى لو أن ذلك العابد رأى عيونها لفتن بها وأصبح كأنه لم ينذر حياته للعبادة. وحول المعنى ذاته يقول النابغة الذبياني وهو زياد بن معاوية: ولقد أصابت قلبه من حبها عن ظهر مرنان بسهم مصردِ نظرت بمقلة شادن متريب أحوى أحم المقلتين مقلدِ المرنان: قوس في صوتها رنين. مصرد: منفذ وهو يقول إن حبها نفذ إلى قلبه كالسهم القاتل والمقلة: العين والشادن هو من أولاد الظباء الذي شدن أي ترعرع من الحوة وهي الحمرة المائلة إلى السواد. والأحم شديد سواد المقلة والمقلد الذي تقلد الحلي وتزين بها. وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: ولمَّا التقينا بالثنية أومضت مخافة عين الكاشح المتنمِّمِ أشارت بطرف العين خيفة أهلها إشارة محزون ولم تتكلَّمِ فأيقنت أن الطرف قد قال مرحباً وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيمِ الثنية كل عقبة في الجبل مسلوكة وهو يقول انه التقى بها في ذلك الطريق ويجوز أن قصد الثنية موضع بعينه. وأومضت: أشارت خفية وكأنَّ نظرتها التماعة البرق والكاشح: العدو. والمتنمم: الواشي النمام. وقوله خيفة أهلها: خشية من أهلها وايقنت: علمت على وجه اليقين. الطرف: العين. والمتيم: العاشق الذي استعبده الحب. وقال عبدالله بن المعتز: عليم بما تحت الصدور من الهوى سريع بكر اللحظ والقلب جازع ويجرح أحشائي بعين كحيلة كما لان متن السيف والحد قاطعُ جازع: خائف والمتن الظهر وورد اختلاف بين بعض النسخ فقد ورد «بعين مريضة» وفي المستطرف «بما تحت العيون». و«متن السيف والسيف قاطع». ويقول أبو فراس الحمداني: وبيض بأ لحاظ العيون كأنَّما هززن سيوفاً واستللن خناجرا تصدين لي يوماً بمنعرج اللوى فغادرن قلبي بالتصبر غادرا سفرن بدوراً وانتقبن أهلة ومسن غصوناً والتفتن جآذرا قال الثعالبي في «يتيمة الدهر» إن البيت الأخير للزاهي والشاعر يشبههن عندما اعترضن طريقه بالبدور. إذا اسفرن بمعنى كشفن وجوههن وبالأهلة إن جعلن النقاب على وجوههن والغصون إذا تمايلن. ويشبههن بالجآذر ومفردها جؤذر وهو ولد البقرة الوحشية إذا التفتن كناية عن سعة وجمال أعينهن. وقال ديك الجن الحمصي واسمه عبدالسلام بن رغبان وورد حول تسميته بذلك عدة أقوال منها أن ديك الجن دويبة تعيش في خوابي الخمرة فسمي بها لأنه كان يقضي معظم أوقاته في الحانات يشرب ويسكر.. لمَّا نظرتِ إليَّ عن حدق المها وبسمت عن متفتح النوِّارِ وعقدت بين قضيب بان أهيف وكثيب رملٍ عقدة الزُّنَّارِ عفَّرتُ خدي في الثرى لك طائعاً وعزمت فيك على دخول النارِ المها: جمع مهاة وهي البقرة الوحشية. والنوار: الزهر. أهيف: ضامر البطن. الكثيب: مجتمع الرمل. عفرت: مرغت. عزمت: عقدت النية. المعنى أنها لمَّا نظرت إليه بعينين تشبهان عيون بقرة الوحش المعروفة بجمال عينيها «وتسمى أيضاً الخنساء ومنها جاء تسمية الشاعرة الكبيرة تماضر بنت عمرو بالخنساء لجمال عينيها» وبسمت لي عن أسنان هي كما الزهر وعقدت الزنار بين قوام ضامر كغصن البان وبين كفل ككثيب الرمل ارتميت أمامك ومرغت خدي بالتراب طائعاً لك وعزمت أمري علي أن أهلك من أجل هواك وادخل النار. وقال أحمد بن المعذَّل العبدي: اخو دنف رمته فاقصدته سهام من جفونك لا تطيش قواتل لا نصال سوى احْورارٍ بهن ولا سوى الأهداب ريش اصبن سواد مهجته فأضحى سقيما لا يموت ولا يعيش كئيب ان ترحل عنه جيش من البلوى المَّ به جيوش المدنف: العاشق المتيم. وطاش السهم عن الهدف يطيش طيشاً إذا عدل عنه ولم يقصد الرمية. والاحوار من الحور وهو شدة السواد مع شدة البياض والإتساع في العين، والريش مصدر راش سهمه إذا ركب عليه الريش. والسقيم المريض، وهو يقول إن تلك العيون أصبنه فأصبح مريضاً حزيناً كلما زال عنه حزن نزل به حزن آخر ويقول ابن الرومي وهو على بن العباس: نظرت فأقصدت الفؤاد بطرفها ثم انثنت عنه فكاد يهيم الموت ان نظرت وان هي اعرضت وقع السهام ونزعهن اليم قصدت واقصدت إذا طعنت ورمت بسهم فلم تخطىء وهو يستعير ذلك لعينيها وشبهها بالسهام التي لا تخطىء هدفها وقوله «يهيم» تعود على الفؤاد أي كاد يهيم بعد أن رمته بطرفها والطرف هو العين والطرف أطباق الجفن على الجفن. وأعرضت بمعنى صدت. ويقول في موضع آخر. لطرفها وهو مصروف كموقعه في القلب حين يروع القلب موقعه تصد بالطرف لا كالسهم تصرفه عنيَّ ولكن كالسهم تنزعه ونزعها السهم من قلبي كموقعه فيه وكل اليم المس موجعه طرفها نظرها والمعنى أن قلبه يرتاع في حين تنظر إليه كما في حالة أن تصرف نظرها عنه ويقول أنها عندما تصرف نظرها يكون ذلك كنزع السهم منه وهي وكناية عن الألم الذي يحس به إثر ذلك ثم يوضح أن نزع السهم لا يقل عن الرمي به. ويقول الصنوبري وهو أحمد بن محمد الضبيِّ في زرقة العين: قالوا به زرقة فقلت لهم بذاك تمت خصاله البهجه ما عابه ما ترون من زرقٍ كم بين فيروز إلى سبجه البهج والبهجة حسن اللون ونضارة الشيء. والفيروز من الأحجار الكريمة ولونه أزرق سماوي. والسيح خرز أسود، وهو يقول ان العيون الزرقاء هي كالفيروز الغالي الثمن أما السوداء فهي كالخرز الأسود الرخيص الثمن. وقال معن بن أوس المزني: سبتني بعيني جؤذر بخميلة وجيد كجيد الريم زينهُ النظمُ ووحف يثني في العقاص كأنه عليها إذا دَنَّت غدائرها كرمُ سبتني ذهبت بعقلي. والجؤذر ولد البقرة الوحشية المعروف بجمال واتساع عينيه. الخميلة: الأرض السهلة التي بها رمال وتكثر فيها الأشجار. والجيد: العنق وجمعها أجياد: والريم مفرد آرام ويقال رئم وهي الضباء البيضاء التي تسكن الرمل. النظم: عقد يحيط بالعنق. الوحف: الشعر الكثير من وحف يوحف. العقاص جمع عقيصة وهو ما جمع من الشعر على هيئة ظفائر. الغدائر: الذوائب ومفردها غديرة. وشبهه بالكرم لسواده وكثرته. * عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية