* «ربح البيع»، ذلك هو الجزاء الأوفى من الحق سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز: {إنَّا لا نٍضٌيعٍ أّجًرّ مّنً أّحًسّنّ عّمّلاْ} .. وهكذا فعل صهيب الرومي، حين أزمع أن يهاجر إلى الله وإلى رسوله، فمنعه مشركو مكة يومئذ، وحين أتيح له أن ينطلق خفية اعترضوا طريقه وقالوا له، جئتنا صعلوكا لا تملك شيئا واليوم تريد اللحاق بالمدينة، ولكننا لن ندعك تذهب.. وكان جواب الصحابي صهيب رضي الله عنه، وهو قد خلق مجاهدا، ينشد الحق في الأرض، ويسعى بين الكهان باحثا عن الهداية الحقة، ويترحل من بلد إلى آخر، كلما أشار عليه أولئك الكهان وأصحاب الكتب القديمة، حتى سمع بآخرة كاهنا من كهنة النصارى يُحدّث أحد السادة، بأنه اقترب زمان، يظهر فيه من جزيرة العرب نبي يصدّق رسالة عيسى بن مريم، ويُخرج الناس من الظلمات إلى النور! * وهكذا انشغل هذا الإنسان بالبحث عن الهدى، لأن الله أراد به خيراً.. ويقول الدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا «ولكن الشيء الذي لا يعرفه الكثير منا هو أن صهيبا لم يكن روميا، وإنما كان عربيا خالصا، نميري الأب، تميمي الأم»، وقد أتيح له أن يصل إلى جزيرة العرب سعيا نحو الرسول الخاتم، ليتلقى منه هداية السماء، إذ لم يجد في بلاد الروم إلا الضلال والظلام حتى استقر بمكة وعمل وادّخر ما أتيح له من حطام الدنيا، ثم أراد أن يلحق بركب النور في المدينةالمنورة، فاعترضه المشركون ليحولوا بينه وبين الهجرة، وكانوا يريدون منه أن يتخلى عما اكتسب من مال، وحين عرض على مانعيه أن يتنازل عن جميع ما كسب وقد تركه بمكة، قالوا له إنهم سيخلون سبيله إذا أعطاهم ما جمع بكده وجهده ففعل بلا تردد، وحينئذ خلّوا سبيله! * وصل صهيب إلى المدينة، يبتغي وجه الله، متنازلا عما عنده من مال في سبيل إيمانه الحق، صادقا في توجهه، وحين وصل إلى دار الهجرة، قابله سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بفرح وبشر وسعادة، ليقول له: «ربح البيع أبا يحيي.. ربح البيع»، فأدرك هذا الإنسان المخلص لدينه، أن السماء قد أنزلت وحيا فيه يتلى إلى يوم الدين، ويشيد بهذا النمط من التضحية في سبيل الله، والصدق مع الله ورسوله، بعد أن نال نصيبه من أذى قريش، مع أولئك الأبطال الصادقين، الذين باعوا أنفسهم إلى خالقهم بثمن غالٍ، لا ينال إلا بالتضحيات والبلاء الحسن في الله، ونعم بلاء يوصل إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، وذلك الطريق المؤدي إلى الجنة محفوف بالمكاره والعذاب. * حس صهيب الصادق، أكد له حين سمع البشرى من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فكانت الفرحة الغامرة وخير عوض، ثم قال لرسول الله: والله ما سبقني إليك أحد يا رسول الله، وما أخبرك به إلا جبريل، والآية الكريمة التي توجت هذا الصحابي الجليل بعطاء الكريم رب كل شيء، كفاء حبه وتفانيه سعيا إلى هدى الله الذي يجزي عباده الطائعين لمرضاته.. فقال الحق: {$ّمٌنّ پنَّاسٌ مّن يّشًرٌي نّفًسّهٍ \بًتٌغّاءّ مّرًضّاتٌ پلَّهٌ $ّاللَّهٍ رّءٍوفِ بٌالًعٌبّادٌ} .. فطوبى لصهيب بن سنان بهذا الفضل، كفاء صدقه وجهاده، وانتصاره على نفسه، رضي الله عنه. * في إحدى حلقات ومن أحسن قولا نسبت مقولة: «الناس نيام فإذا ماتوا استيقظوا» إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خطأ، وأنا أستغفر ربي في ذلك.. وقد نبهني الأخ الدكتور عبدالرحمن بن سعيد الحازمي، وقال إنها لسفيان الثوري رحمه الله، شكر الله فضله على هذا التنبيه، وجزاه خيراً.