لم يكن من الغريب أن يثير حديث الرئيس الأمريكي جورج بوش عن السلام في الشرق الأوسط الكثير من الشكوى في أوروبا. ففي خطابه انتهك بوش قاعدة أساسية من قواعد الأحاديث الدبلوماسية. فقد تحدث للفلسطينيين وتعامل معهم وكأنهم لم يشبوا عن الطوق بعد. وعلى الرغم من أنه وضع شروطا للدولة الفلسطينية فإنه أوضح بجلاء أن الفلسطينيين سيحصلون عليها، وقد حذرهم من أنه لن تجري أي مفاوضات جادة حتى يشكلوا قيادة جديدة جادة. ووضعهم أمام خيار حياة أو موت في الشرق الأوسط. أثارت هذه البدائية الفكرية من جانب بوش الغضب بين ذوي الحساسيات الخاصة من الشعوب، ويتذكر الأمريكيون باستمرار أن إسرائيل ظهرت للوجود بسبب فشل الحضارة الأوروبية. ولكنهم نسوا أن قائمة الذين يجب معاقبتهم بسبب جرائم هتلر لم تكن تتضمن الفلسطينيين، علاوة على ذلك وعلى الرغم من التعاطف مع دولتهم فإن للإسرائيليين تاريخاً طويلاً في انتهاك قرارات الأممالمتحدة حيث تحتل أراضي الغير بالقوة وهو ما لم يعد موجودا تقريبا في المجتمع السياسي المعاصر. إذن فإن أي تسوية في الشرق الأوسط لا ينبغي أن تتجاهل الحقائق التالية: أولا الاعتراف بالواقع المعاصر، وهذا يقودنا إلى الاعتراض الوحيد الصحيح على ما جاء في خطاب بوش، وهو أن الحديث عن الإطاحة بعرفات يدعم مكانته وهذا يقود إلى تجميد الموقف. لقد أعلن عرفات عن إجراء انتخابات في يناير القادم، وإذا خاض هو هذه الانتخابات -على عكس رغبة بوش- فسوف يفوز فيها وبأغلبية كاسحة، وستتبدد آمال بوش في قيادة فلسطينية جديدة، وهذا حقيقي على المدى القصير لكنه لا يعني أن إدارة بوش عاجزة عن تغييره، ولكن على العكس فهناك رؤية واضحة على المدى الطويل. يعتزم الرئيس بوش ومستشاروه تكوين مسرح جديد. والاستراتيجية الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي مجرد عنصر واحد في السياسة الخارجية الأمريكية التي أعيد تقييمها منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وهنا تأتي المفارقة فالرئيس بوش جاء ومعه أقوى فريق في الدفاع والسياسة الخارجية في التاريخ الأمريكي في حين أنه كان مترددا في التورط في الشئون الدولية بوجه عام. وقد كان ينتقد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بسبب اهتمامه الزائد بالصراعات الدولية وتجاهل القضايا المحلية. وهذا صحيح على الأقل بالنسبة للشرق الأوسط حيث حاول كلينتون دفع الأمور حتى تسير وفق جدوله الزمني. وكان المفترض أن يقلص بوش السياسة الخارجية الأمريكية لتدور حول المصالح الأمريكية الضيقة فقط ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر علمته وعلمت الشعب الأمريكي كله أن هذا النهج غير صحيح لسبب بسيط هو أنه لا يمكن تحديد المصالح الأمريكية بمفهوم ضيق. فالقوة العالمية يجب أن تكون لها سياسة خارجية عالمية وبافتراض الأهمية الاستراتيجية للمنطقة فيجب أن تكون لها سياسة خارجية شرق أوسطية. وطوال الشهور الماضية ظلت هذه السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط موضع جدل. فهناك وزير الخارجية الأمريكي كولن باول وأغلب مسئولي وزارته والجمهوريين الذين يهتمون بالمصالح البترولية وهؤلاء مستعدون غالبا لاعتبار إسرائيل كمثير المشكلات ويصرون على أن فلسطين هي مفتاح الحل. وفي مواجهة هؤلاء هناك وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وحلفاؤه الذين يدعمون إسرائيل بكل قوة سواء كانت على خطأ أو صواب بل ويرفضون قبول فكرة أنه يمكن أن تكون على خطأ. ومن بين ذلك استنتج الرئيس بوش رؤيته الخاصة وهي أن فلسطين باب مغلق بدون مفتاح ويجب فتحه بالقوة. ويعتقد الرئيس بوش أنه لكي تفتح باب السلام في الشرق الأوسط يجب أن تكون موجوداً بقوة في شرق فلسطين أي في العراق. والأمريكيون ليسوا متشائمين، ولكن بوش يرى أن الفلسطينيين لو تم تركهم يختارون فسوف يختارون عرفات أو من هو أكثر منه تشددا كما أن الشرق الأوسط به العديد من أنظمة الحكم المناوئة لأمريكا والتي تسعى للحصول على أسلحة دمار شامل على حد قول الأمريكيين.