إن قيام الحرب بين الهندوباكستان ليس أمرا مستبعداً ولا أمرا مستغربا البتة بل العكس هو الصحيح لأن العلاقة بين الهندوباكستان لم تكن في أي يوم من الأيام علاقة جوار صادق تشوبها النوايا الحسنة وإن تبادلت الدولتان السفراء، وإنما كانت العلاقات خلال أكثر من نصف قرن ومنذ التقسيم عام 1947م متوترة يشوبها باستمرار عدم الثقة. وليس أدل على ذلك من نشوب ثلاث حروب بين الهندوباكستان منذ عام 1947م اثنتان منهما كانت بشأن كشمير بل يمكن القول إنها كانت كلها بسبب مشكلة كشمير ولو أن حرب عام 1971م كانت من أجل فصل باكستانالشرقية عن باكستان الغربية وقد نجحت الهند في تحقيق ذلك لكن مشكلة كشمير ظلت كما هي. إن ما سيكون غريبا في الحرب التي قد تنشب هو في خطورتها ليس فقط على البلدين ولكن على العالم بأسره وعلى امكانية العيش في عالم تحتضن العديد من دوله أسلحة دمار شامل يمكن لها أن تدمر العالم بأسره مرات ومرات. إن باكستان دولة صغيرة في مساحتها وفي عدد سكانها وفي امكاناتها المختلفة العسكرية والاقتصادية ولكنها تتشابه مع الهند في كونها تمتلك سلاحا نوويا يمكن لها أن تستخدمه وبشكل مؤثر شأنها في ذلك شأن الهند. وهنا تكمن الخطورة في كون الحرب المقبلة ربما لا تكون حربا تقليدية وربما لا تقتصر على المناوشات الحدودية والتسللات عبر الحدود ولكنها ربما تكون شاملة ومدمرة. إن التنافس بين الهندوباكستان فيما يتعلق بالقدرات العسكرية بدأ منذ استقلال البلدين عن الاستعمار البريطاني عام 1948م. كما أن التفكير في امتلاك سلاح الردع لم يكن مغيبا عن البلدين منذ ذلك الوقت. ولقد كانت الهند سباقة إلى السعي في استخدام الطاقة النووية. وكان جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء هندي يبدي رغبته في تطوير طاقة نووية لأغراض سلمية رغم تصريحه بأنه لو دعت الضرورة بعد تطويرها فإنه لن يكون هناك ما يمنع الهند من استخدامها كسلاح. على كل حال سعت الهند إلى تطوير برنامجها النووي حتى تمكنت من تشغيل أول مفاعل نووي لها في الستينيات الميلادية للاستخدام في أغراض سلمية. ولكن الأصوات بدأت ترتفع في الأوساط السياسية والعسكرية الهندية والأوساط الشعبية أيضا بالمطالبة بضرورة تطوير الطاقة النووية في الهند لصنع أسلحة نووية وخاصة بعد الهزيمة التي منيت بها في حربها مع باكستان بسبب الخلاف الحدودي الذي نشب بينهما عام 1961م. وقد ازداد الاحتجاج والرغبة لدى الهند على تصنيع القنبلة النووية بعد عام 1964م وهو العام الذي أجرت فيه الصين أول تجربة على أول قنبلة نووية تقوم بتصنيعها. سعت الهند جاهدة وجندت علماءها الفيزيائيين والكيميائيين لمحاولة العمل على التوصل لطريقة التصنيع والتفجير ونجحت في عام 1974 في إجراء اختبار تفجير قنبلة قوتها قرابة قوة القنبلة التي أسقطت على هيروشيما. لقد أثار هذا الاختبار امتعاضا وغضبا في الأوساط الأوروبية ولا شك أن ذلك أزعج الباكستانيين كثيرا إلا أنه أثار موجة عارمة من الابتهاج في الأوساط السياسية والعسكرية والشعبية الهندية. قامت الدول الأوروبية بقطع كل المساعدات المتعلقة بالخبرات والتقنيات والمواد النووية مع كل الدول التي لا تلتزم بتوقيع معاهدة توليد الطاقة النووية وقد شمل ذلك الحظر كلاً من الهندوباكستان. على كل حال كان هناك على ما يبدو محاولة هندية لتجربة ثانية عام 1983م ولكنها ألغيت بفعل ضغوط أمريكية. واتجهت الهند في العمل على تبني البرنامج الصاروخي القصير والمتوسط والبعيد المدى منذ بداية الثمانينات وتوجت جهودها بالنجاح في عام 1988م وعام 1989م حيث أجرت العديد من تجارب الاطلاق وأيضا تم تجريب اطلاق صواريخ متوسطة المدى عام 1999 وأخيرا كانت التجربة على صاروخ يصل مداه إلى 2000كم وكان ذلك عام 2000م. ومن جهة ثانية فإن الباكستان لم تكن غافلة عما تقوم به الهند من تطوير لأسلحتها النووية حيث إن باكستان تدرك خطر الهند دون أسلحة نووية فما بالك بعد امتلاكها للسلاح النووي رغم أن هيئة الطاقة النووية في باكستان أسست عام 1954م أي بعد الهند بقرابة 15 عاماً تقريبا. ولقد اتخذ رئيس باكستان أيوب خان في عام 1965م قرارات وبعض الإجراءات لمواجهة التهديد النووي الهندي وتم تشغيل أول مفاعل للبحث في عام 1965م وأول مفاعل تجاري لتوليد الطاقة عام 1970م. ولكن البرنامج النووي تدعم على يد ذو الفقار علي بوتو عندما كان وزيرا للطاقة والموارد الطبيعية ثم تدعم هذا البرنامج عندما أصبح رئيسا لباكستان ثم رئيسا لوزرائها. يمكن تسمية ذو الفقار علي بوتو أبو البرنامج النووي الباكستاني. ولعل مقولته الشهيرة في موضوع الاهتمام بتصنيع القنبلة الذرية تؤكد على أبوته لذلك البرنامج. لقد قال ذو الفقار علي بوتو: إذا طورت الهند القنبلة النووية فإن باكستان ستتبعها في ذلك حتى ولو تحتم علينا أن نأكل العشب والأوراق أو أن نبقى جوعى. والحقيقة أن البرنامج النووي الباكستاني لم يبدأ فعلياً وعملياً إلا بعد أن فصلت باكستانالشرقية عن باكستان الغربية في عام 1971م. وكانت ضربة موجعة للباكستانيين. اجتمع بوتو مع العلماء الفيزيائيين والمهندسين عام 1972م، وأبدى رغبته إليهم وحرصه على صناعة السلاح النووي وتدعم ذلك بإرسال قرابة سبعمائة عالم للدراسة والبحث في المجال الفيزيائي والكيميائي. سعت باكستان إلى الحصول على البلتونيوم وعلى معامل لمعالجته من بلجيكاوفرنسا ودول أخرى. وبالفعل بدأ التعاون مع الفرنسيين والبلجيك عام 1974م، إلا أن الضغط بدأ يتزايد من الولاياتالمتحدة على فرنسا وكل الدول الأخرى التي تزود باكستان بالتقنية النووية، وبالفعل انسحبت كل الدول من البرنامج النووي الباكستاني وكان آخرها فرنسا في عام 1976م. ورغم كل ما سعت إليه الولاياتالمتحدة من قطع للمساعدات الاقتصادية لباكستان ورغم كل الضغوط التي فرضت عليها إلا أنها تمكنت من إجراء التجارب النووية بفضل علمائها. لقد قامت باكستان بأول تجاربها النووية في تاريخ 28/5/1998م حيث أجرت خمسة تفجيرات ناجحة في ذلك اليوم لتقوم بتفجير سادس في 30/5/1998م. وقد جاء هذا التفجير بعد أسبوعين من قيام الهند بإجراء خمسة تفجيرات نووية في شمال غرب الهند. إذاً الهندوباكستان أصبحتا من المؤكد يمتلكان السلاح النووي ويمكن أن يكون على شكل قنابل تفذف من الطائرات ومن الممكن أن يكون على شكل رؤوس نووية تنقلها الصواريخ لمسافات مختلفة. ورغم أن الدولتين طورتا أسلحة نووية إلا أنهما حتى الآن لم يطورا أنظمة دفاع وأنظمة إنذار ومن هنا فإن بضع دقائق كافية لسقوط صواريخ أو قنابل على مدن مكتظة في أي من البلدين يتوقع أن تقتل الملايين في ثواني أو لنقل بضع دقائق؟ ما هو موقف الغرب من الوضع المتأزم بين الهندوباكستان؟ لقد اشتد الخلاف بين الهندوباكستان وتغيرت الاستراتيجيات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. عندما دعت الولاياتالمتحدة إلى التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب والحرب ضد طالبان والقاعدة سارعت الهند إلى استعدادها التام للدعم اللوجستي لمحاربة الإرهاب. ترددت الباكستان في بداية الأمر وحاولت تتفهم نوايا الولاياتالمتحدة في هذه الحرب وكانت تتخوف من ردود الأفعال الداخلية واحتمالية الاضطرابات المدنية بحكم العلاقات أو الروابط الاجتماعية القبلية والدينية مع أفغانستان ولكنها وافقت على التعاون مع الولاياتالمتحدة في محاربة الإرهاب واعتبرت ذلك خيارا استراتيجيا يحفظ للباكستان أمنها القومي. سعت الهند منذ أحداث سبتمبر لاستغلال مفهوم محاربة الإرهاب واعتبرت ما يجري في كشمير أعمالاً إرهابية وهي بذلك كانت تحاول عزل باكستان دوليا وتصويرها بأنها داعمة للإرهاب. لقد أدركت باكستان ذلك وسعت إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات للجم كباح المتشددين ولكن الهند استمرت في فرض شروط صعبة على باكستان فهي تطالب بمنع حدوث أي تسلل عبر الحدود بين البلدين. كما أنها تنسب أي حادثة تحدث في الهند إلى باكستان وهي بذلك تتبع نفس الأسلوب الذي يستخدمه الصهاينة في فلسطين بتحميل عرفات مسؤولية كل حادثة. على كل حال الهند تستغل التعاطف الغربي معها في الهجمات التي حدثت على البرلمان وعلى الأتوبيس في جامو وكشمير وتعزف على هذا الوتر، وهذا التعاطف حق أريد به باطل لأن باكستان تريد من يتعاطف معها فيما يحدث من أعمال إرهابية قد تكون الهند وراءها أو فيما يحدث من سيطرة هندية على كشمير. جامو وكشمير بلد معروف بأن هناك خلافاً حوله بين الهندوباكستان وأن شعبها يطالب بالاستقلال عن الهند وهذا الأمر مسجل في أضابير الأممالمتحدة وفي قراراتها ولكن الهند دائما ترفض أي نقاش حول كشمير مع باكستان. إن ما يدور اليوم على الحدود بين باكستانوالهند على الحدود لهو أمر في غاية الخطورة ومن المفترض أن المجتع الدولي يتدخل بقوة في هذه القضية من خلال الأممالمتحدة ومن خلال القوى الدولية المؤثرة. لكن ما يحدث هو مجرد دعوات مهزوزة والطلب من قبل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وروسيا والصين للطرفين بضبط النفس. الولاياتالمتحدة وبريطانيا تقولان إن على باكستان فعل المزيد لمكافحة الإرهاب وكل يوم طلبات جديدة وفي نفس الوقت يقولون إنهم يؤيدون الهند تماما ويقفون معها في محاربة الإرهاب. إن هذا يشجع الهند بل يدفعها للاعتداء على باكستان. قد لا يكون لدى الولاياتالمتحدة مانع في أن تقوم حرب نووية بين الهندوباكستان لتثبت للعالم أن الأسلحة النووية هي في أيد دول يسهل عليها استخدامها بشكل انفعالي وعاطفي ومن هنا ستأخذ ذلك ذريعة لتغيير الوضع في دول عديدة كالعراق وإيران وسوريا وليبيا وكوريا. ولكن الأمر قد يكون أخطر من ذلك بكثير فربما يجر الوضع إلى أبعد من ذلك بكثير حيث من الممكن توريط الصين بطريقة أو بأخرى وعند ذلك ربما تكون حرب نووية شاملة لا تقتصر على جنوب شرق آسيا. الولاياتالمتحدة وبريطانيا في الحقيقة يلعبان بالنار في طريقة تعاملهما مع الهندوباكستان وليست لديهما نوايا حسنة وجدية في إنهاء الصراع ونزع فتيل الحرب وتصريحاتهما العدائية تجاه باكستان والودية تجاه الهند تدل على استمرارية الكيل بمكيالين في القضايا التي يكون فيها طرف مسلم أو عربي. إن على باكستانوالهند أن تدركا خطورة الموقف وعلى الهند بشكل أساسي أن تدرك أن تأييد الغرب لها هو محاولة لجرها إلى حرب لا رابح فيها بل هو سعي لكبح جماحها التقني وإعادتها إلى حفرة التخلف التي هي في منتصف الطريق للخروج منها كما أن عليها أن تدرك أن الحرب مع باكستان لن تكون بالشكل الذي تحاول أن ترسمه وهي ضربات خاطفة كما أن الحرب لن تكون نزهة أو رحلة سياحية واستطلاعية. أما باكستان فإن عليها أن تحاول بقدر استطاعتها التفاهم مع الأحزاب والجماعات الإسلامية ووضع مصلحة وأمن باكستان فوق كل اعتبار وعدم الإندفاع والتهور وإساءة التوقيت في العمليات العسكرية في كشمير. نسأل الله أن يرد كيد الظالمين في نحورهم وأن يجنب العالم شر هذه الفتنة.