لا شك أن الكثير من دول العالم وخصوصاً الدول المتقدمة منها تولي موضوع التعليم عناية واهتماماً منقطع النظير، ايماناً منها بأن التعليم هو من أسس تقدم الأمم وتطورها في شتى المجالات، وهو من المقاييس الملموسة لمستوى التقدم الذي وصلت اليه الدول وتصنيف قوتها بين دول العالم. وهذه الدول تحرص ايضاً على هويتها الثقافية وتقاليدها ومفاهيمها، وهي في الوقت ذاته تسعى بشتى الوسائل إلى نشر وعولمة ذلك على شعوب دول العالم الآخر بهدف تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى وذلك من خلال تسويق محددات ثقافية واجتماعية وتربوية وسياسية واقتصادية على تلك الدول، كل ذلك بهدف جعلهم شعوباً استهلاكية من خلال شروطهم التبعية! التلقين والحشو لن يحققا أهدافنا الوطنية.. والأسلوب النظري طغى حتى على مناهج الكليات التقنية والمهنية انني على يقين تام بأن مشاكل التعليم لدينا لا يمكن حصرها وتغطيتها واعطاؤها ما تستحقه من النقاش والتحليل في مقال واحد، ولكنني هدفت من هذا المقال تسليط الضوء على واحد من أهم وأخطر المواضيع في أولويات واهتمامات الدول. إن اصلاح التعليم بما يحقق طموحات وتطلعات أبناء هذا الوطن الغالي يجب أن يستمد قوته من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ومن عاداتنا وثقافتنا الأصيلة ومن خلال رؤيتنا المستقبلية لما يجب أن يكون عليه وطننا. أن التعليم في بلادنا يعاني من مشاكل عدة برغم ما حققه من تطور وتقدم كمي ابتداء من ادارة قطاع التعليم، المناهج الدراسية، المعلم، المبنى المدرسي وغير ذلك من العناصر المؤثرة الأخرى والتي ساهمت في تفاقم مشاكل التعليم. اكتفت أغلب المؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة بتخريج أعداد هائلة من أبناء الوطن تفتقر الغالبية منهم إلى الكثير من المهارات والقدرات التعليمية التي من المفترض اكتسابها من خلال مراحل التعليم، بل أن الطالب الجامعي ليس بأفضل حال من طالب المرحلة الثانوية في قدرته على الاستنتاج والنقاش وحل المشكلات، يضاف إلى ذلك فقدان الطالب إلى الكثير من هويته وثقافته الإسلامية، فلا التعليم بوضعه الحالي ولا المؤسسات الثقافية والاجتماعية وكذلك المكتبات العامة والمنزل والأسرة استطاعت ردم الهوة بين الطالب وثقافته وحاجة وطنه له من خلال تنمية وغرس روح العمل والابداع والإنتاجية واكتساب كل ما هو مفيد في تحقيق الاستفادة والإفادة من ما منحه الله للإنسان من قدرات عقلية متى أحسن الاستفادة منها، ولعل ما نشاهده بين أوساط الشباب من تأثر واضح بالثقافة الغربية والتقليد الأعمى للكثير من العادات والسلوكيات المستوردة يعكس حقيقة واقع المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية والمنزل وغياب دورها تجاه الشباب وتربية النشء. ففي ظل غياب التواصل والتفاعل الإيجابي مع عقول هؤلاء الشباب، أصبحت مخرجات التعليم غير قادرة على تحقيق نقلة نوعية واكتفت بمخرجات كبيرة ممسوخة الثقافة والهوية ولديها الاستعداد الكامل لتلقي وتبني كل ما هو منتهي الصلاحية وعديم الفائدة، وذلك بسبب جمود وغياب التفاعل الإيجابي لتلك المؤسسات مع بعضها ومع مسايرة ركب التقدم واستشراف تحديات المستقبل. بداية لا بد لنا أن نتساءل إلى أين يتجه التعليم في بلادنا وهل أصبح التعليم قضية ثانوية وهل يقاس التعليم لدينا بما ينفق عليه وما هي أوجه هذا الإنفاق وهل توجد لدينا خطة إستراتيجية بعيدة المدى للتعليم وفق كل مرحلة بحيث تعكس احتياجات الوطن الفعلية؟ ونتساءل ايضاً أين دور وزارة التخطيط في وضع الخطط المستقبلية والاستراتيجية المبنية على التوقعات المستقبلية للنمو السكاني ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك من التساؤلات الأخرى والمحيرة في نفس الوقت. التعليم لدينا بحاجة إلى وقفة قيادة هذا الوطن والتي لم تدخر جهداً في دعم قطاع التعليم وكذلك إلى قيام الجهات ذات العلاقة بدعم ومساندة جهود اصلاح التعليم لتدارك ما يمكن عمله من خلال وضع خطة طموحة تكون هي شعار المرحلة المقبلة منطلقين من تعاليم وقيم ديننا الإسلامي الحنيف وحاجة التنمية الشاملة ونظرتنا لمستقبل اقتصادنا وصناعتنا الوطنية ومستقبل أبناء الوطن الذين يعتبرون هم رأس المال الحقيقي، فمن خلالهم يستطيع الوطن منافسة الآخرين وفرض وجودنا واحترامنا بين شعوب العالم. هذا المطلب الوطني لن يتحقق إلا من خلال معالجة واصلاح الأركان الرئيسة للتعليم الادارة، المعلم، المنهج، والمدرسة وفق الأسس الصحيحة، ونحن بذلك وبتوفيق من الله نعمل على بناء جيل جديد من أبناء الوطن قادر على النهوض بمسؤولياته تجاه دينه ووطنه في كافة مجالات الحياة بشكل ايجابي وفعّال. بلادنا ولله الحمد لا تعاني من قلة المصادر المالية أو البشرية، فكل ما هو مطلوب هو العمل على الاستفادة المثلى من هذه المصادر وتوظيفها بشكل صحيح وسليم لإتاحة الفرصة من أجل تعليم أفضل. لا شك أن الإنسان يقف في حيرة من أمره عندما يعرف أن نسبة الأطباء السعوديين في مستشفياتنا الحكومية لاتتجاوز 17%، ونسبة اخصائيي المختبرات والأشعة والمساعدين والممرضين لا تتجاوز 12%، أما في المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية الخاصة فإن النسبة لا تتجاوز 2% لهذه الفئات، ومع ذلك فان ابن الوطن والحاصل على نسبة 98% لا يجد مقعداً له في كلية الطب او حتى في كلية الصيدلة، حتى وان كان خريج إحدى المدارس الحكومية ذات السمعة والشهرة الجيدة؟!!، وقس على ذلك مشاكل القبول للحاصلين على معدلات ايضاً مرتفعة في الكليات والمعاهد الصحية والكليات الجامعية الأخرى. علماً بأن نسبة الخريجين من مختلف مراحل التعليم في تزايد، فقد أوضحت خطة التنمية السابعة بأنه بلغ عدد الخريجين «بنين» من المرحلة الثانوية لعام 1418/1419ه «643.68» طالب، وعدد الخريجات من الثانوية العامة لنفس العام «145.98» طالبة!! اما عدد الخريجين والخريجات من الجامعات المحلية والخارج لنفس العام «950.42»، حيث بلغ عدد الخريجين من الجامعات لنفس العام «229،21» وعدد الخريجات «721.21»، وعدد الخريجين من مدارس ومعاهد ومراكز التدريب الفني والمهني بلغ لنفس العام «876.11». المواطن أسعده كثيراً توجيه صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني حفظه الله عندما وجه بمضاعفة نسبة عدد المقبولين في كليات الطب، ولا زال المواطن يأمل المزيد من هذه التوجيهات الكريمة لخير ومصلحة الوطن وتسهيل احتياجات المواطن وتذليل العقبات من أمامه وهو يستحق ذلك وولاة الأمر حريصون أيضاً على ذلك. يلمس الكثيرون واقع التوظيف في مرافق القطاع الخاص وخصوصا القطاعات المهمة مثل الصناعة وشركات الأعمال والتجارة وهي ما تستحق تواجد أبناء الوطن فيها بدلاً من التركيز على السعودة في بعض الجوانب التجارية البسيطة!!! وهو بكل أسف يدعو للاستغراب، فنسبة السعوديين في قوة العمل متدنية جداً وهذا على عكس أهداف وتوقعات خطط التنمية الخمسية والتي ترمي الى زيادة نسبة السعوديين في سوق العمل! فلم يتحقق الحد الأدنى من توظيف السعوديين في القطاع الخاص خلال عشر السنوات الأخيرة!!! علماً بأن اعداداً كبيرة جداً من الوافدين تعمل على وظائف بالإمكان شغلها بمواطنين. ومن أمثلة هذه النوعية من الوظائف على سبيل المثال وليس الحصر: مندوب تسويق، مبيعات، محاسبة، إدارة أعمال، شئون موظفين، علاقات عامة. لا تزال قضية استيعاب الكم الهائل من خريجي الثانوية العامة سواء في الجامعات او سوق العمل هي الشغل الشاغل، فلا يوجد بدائل ناجحة وفعالة تهدف الى تأهيل الخريجين وتوجيههم لسوق العمل، بالرغم من اقرار بعض البرامج والدبلومات لخريجي الثانوية العامة ممن لم تتح لهم فرصة القبول في الجامعات، وفي المقابل نجد أن خريجي الكليات التقنية والعلمية والصحية والمعاهد وبعض التخصصات الأخرى في الجامعات لازالت تواجه مشكلة التوظيف!! علماً بأن المتوقع لمخرجات هذه الكليات والدبلومات بأنها تلبي احتياج القطاع الخاص!! فما هي اذن الجدوى من استحداث هذه الدبلومات اذا لم تكن لمخرجاتها قبول في سوق العمل؟! إن التعليم العام والجامعي في الدول المتقدمة يعتمد على استراتيجية واضحة تعكس توجه وحاجة الدولة في التوسع والرغبة في تطوير احد المجالات الحيوية المهمة كمجال الصناعة او الزراعة او التقنية، بحيث أن سياسة ومخرجات التعليم تحقق هذا الهدف من خلال تطوير المناهج والمعلم والتجهيزات التعليمية وفرص التدريب والتطوير واشاعة المعرفة بين الناس، وكل ذلك من اجل تحقيق توجه وحاجة الدولة في احداث نقلة نوعية في المجالات الصناعية والتقنية والاقتصادية. لذا لابد أن يصاحب ذلك التطوير لاسلوب التدريس بحيث يعتمد على النقاش والتحليل والبحث والابتكار والاستنتاج، وهذا من أجل تنمية وتطوير فكر وشخصية الطالب، بحيث يكون قادراً على مواجهة مشاكل العمل وايجاد الحلول لها وتنمية روح المشاركة والبحث والمسئولية وتقدير دوره في مجتمعه. ان الدول المتقدمة صناعياً واقتصادياً ادركت أهمية ايجاد بدائل فاعلة للبترول او على اقل تقدير تقليص حجم الاستهلاك والاعتماد على هذه المادة القابلة للنضب والفناء، وهم في آخر الامر سوف يحققون ذلك بفضل ما لديهم من قدرات عقلية كبيرة وارادة قوية ساهمت في صنع مستقبل دولهم وجعلت من الآخرين شعوباً استهلاكية وفي نفس الوقت هم بذلك يوفرون لشعوبهم وسائل العيش الرغيد. ان عالمنا العربي لا يواجه أزمة او ندرة في العقول النابغة والمبرزة، ولا يختلف بأي شكل من الاشكال العقل العربي عن العقل الامريكي او الاوروبي ولكن الفرق بيننا وبينهم هو أنهم استطاعوا تهيئة البيئة المناسبة لشعوبهم للابداع والعمل. ان الحقائق تؤكد ذلك من خلال العقول العربية المهاجرة للدول الغربية وخاصة لامريكا واوروبا والذين فرضوا وجودهم من خلال ما قاموا به من أعمال مبدعة ساهمت في نهضة تلك الدول. إن بلادنا وهي تحتل مكانة بارزة في العالم الاسلامي وكذلك ما تتمتع به من مساحة شاسعة تتطلب العمل على تعمير وبناء واستثمار أكبر قدر من هذه المساحة، فهذا يحتاج الى استراتيجية طموحة تعمل على تحقيق ذلك وتنشيط وتوفير وتنويع فرص الاستثمار في كافة مدن ومحافظات المملكة وتوفير وتوزيع فرص البناء والعمل والتعليم والتدريب لمستقبل هذا الوطن حتى نوفر لهم سبل العيش، اضافة الى زيادة ايجابية في عدد سكان المملكة يتناسب مع مساحتها، لما في ذلك من مطلب أمني واستراتيجي. ولا شك أن القوة البشرية هي من وسائل الدفاع والردع التي يحسب لها وكذلك نحقق بذلك بناء جيل قادر على العطاء والابداع والمنافسة. بلادنا و في ظل المعطيات الحالية والمستقبلية بحاجة الى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مادة البترول أو من خلال موارد الضرائب الاخرى. بلادنا تعتمد وبشكل كبير على صادرات الدول في كل المجالات باستثناء هامش بسيط من الصناعات المحلية وبأيدي عمالة وافدة!!! وهذا لا يتوازن مع امكانات وقدرات بلادنا المادية والبشرية، ولا يمنحنا القدرة على منافسة الآخرين وفرض وجودنا واحترامنا بين دول العالم. ان التحديات التي نواجهها من كل صوب تتطلب مراجعة جادة لكثير من السياسات والبرامج ويأتي على رأسها استراتيجية التعليم العام والجامعي والتقني والمهني وكل ما له علاقة بهذا الهدف من مؤسسات تعليمية وتخطيطية ومهنية وتدريبية وفق الأسس والمعايير الأساسية للعملية التعليمية بما يحقق نقلة نوعية في تطور وازدهار كافة المجالات الصناعية والاقتصادية والاجتماعية. لقد تجاوزنا مرحلة الكم في مخرجات التعليم بمختلف مراحله، وبدون التدقيق في نوعية الخريجين ومدى ملاءمتهم لاحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً ونحن نواجه في السنوات الأخيرة اعداداً كبيرة من الخريجين من دون عمل!! فلا نريد الاستمرار على ذلك النهج بحيث يكون نصيب الطالب من العملية التعليمية الحصول على الشهادة فقط، وتهميش الهدف الأسمى للتعليم بوصفه المحرك والقوة الضاربة لدفع حركة التقدم والتطور الايجابي. ان قلة وندرة فرص التوظيف للخريجين لها أثر سلبي كبير على مستقبل العملية التعليمية وعلى مستقبل ونظرة الأجيال القادمة للتعليم العام والجامعي وكذلك مدى الأثر السلبي النفسي والاجتماعي على الخريجين بدون عمل وتأثر مستوى ثقتهم بأنفسهم سلباً. الشباب هم الثروة الحقيقية ومن أجلهم توفر الامكانات من خلال اتاحة فرص التعليم والعمل وايجاد البدائل النافعة لاشغال أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالنفع ومن خلال ذلك نغرس في انفسهم روح العمل والتفاني والاخلاص والمواطنة. وهذا لن يتحقق الا من خلال منظومة التعليم والعمل الموجه وغرس الهوية والمبادئ الاسلامية الصحيحة، وتشجيع المؤسسات التعليمية والثقافية والقطاع الخاص على اقامة الندوات والمؤتمرات المخصصة لشريحة الشباب والتفاعل الايجابي بين الشباب والمؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية من اجل شحذ الهمم وتحمل المسئوليات. وهذا ما يحتاجه اي بلد يبحث عن الاستفادة من العنصر البشري وتوظيف ذلك لقضايا التطوير للوصول الى مستويات متقدمة في كافة مجالات الحياة، فرعاية وتوجيه الشباب هي من اولويات اهتمامات الدول المتقدمة. بلادنا مهبط الوحي ومهد الرسالة النبوية الخالدة بحاجة اكثر من اي وقت مضى الى اعادة الصفوف والاولويات في كثير من القضايا الاستراتيجية ومن بينها الاهتمام بالعنصر البشري من خلال التعليم والتدريب وتوفير فرص العمل والتشجيع على المنافسة الشريفة في الانتاج والابتكار ورصد الجوائز التشجيعية لاي عمل من شأنه ان يساهم في بناء جيل قادر على العطاء، ويشترك في ذلك كافة المؤسسات من القطاع العام والخاص ورجال الأعمال والمواطنين. نحن بحاجة الى استشعار حجم المسئولية على كافة المستويات ومعالجة ما يمكن علاجه والى ازاحة ركام الجمود والاعتماد والاتكالية على الغير الذي قاد وبفعل انفسنا الى وجود العديد من السياجات الحديدية من حولنا ومن بيننا وبين الوصول الى مستويات مرضية من التقدم والتطور والثقة بالنفس الذي تنشده كل الدول التي تحرص أن تتبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم. لا شك أن النمط الاداري المتبع في كثير من اجهزتنا الحكومية يحتاج الى مراجعة وتطوير وعلى رأسها جهاز التعليم وغيره من الاجهزة الخدمية الاخرى التي لم تحدث تغييراً جوهرياً في اسلوب ادارتها لمعالجة المشاكل ولن تغير الادارة التقليدية من الوضع القائم ما دامت تنهج نفس الاسلوب وبنفس العقلية التي اوجدت تلك المشاكل المتراكمة، مع ثقتنا واعتزازنا بالنجاحات التطويرية التي تحققت لبعض اجهزتنا الحكومية. نحن ندرك بانه لا يوجد ما يمنع من الاستفادة من التجارب الادارية والتنظيمية الناجحة لدى الآخرين سواء في الغرب او في الشرق مع اهمية انتقاء ما هو مناسب ويتماشى مع حاجة الوطن وبدون التخلي عن هويتنا الاسلامية وتعاليم ديننا الحنيف، فديننا الاسلامي يحث على العمل والعلم والسعي في طلبه في كل مكان وزمان. لابد من اعادة النظر في اسلوب الحشو والحفظ المتبع لدينا والذي ثبت بانه لا يفيد الطالب ولا المعلم او الاب او حتى صاحب العمل، فالطالب الذي يعتمد على هذا الاسلوب يكون من السهل جداً فقد ما حفظه في نهاية العام. إن تنمية مهارات الفهم والابداع والتحليل والنقد وحل المشكلات التي يواجهها الطالب او الخريج في العمل تحتاج الى تطوير المعلم اولاً للرفع من المستوى العلمي والمعرفي لديه واشراكه في العملية التطويرية للتعليم حتى يكون احد الاعضاء الفاعلين في الفريق، ومن ثم الاهتمام بالفصل والمدرسة وما يجب أن تكون عليه البيئة المدرسية من ادوات تعليمية ومكتبية ومختبر.. الخ. يتخرج الطالب لدينا وهو يفتقر الى الكثير من مقومات النجاح في الحياة العملية وربما نجد له العذر في ذلك!! المعلم لدينا يكرر نفس الاسلوب والادوات التربوية لتدريس الطلاب سنة بعد سنة وحتى لو اصبح لدى المعلم خبرة عشرين عاماًَ في حقل التدريس فهو مع احترامي وتقديري لدوره فانه لا يملك المعرفة والخبرة المتجددة في تبني اساليب وطرق تدريس جديدة اكثر ملاءمة لقدرات الطالب وتطويرها وحاجة الوطن من جهة، لانه كرر نفس الاسلوب ولم يعمل على تطوير نفسه لمدة عشرين عاماً!! والمعلم هنا هو ايضاً ضحية للادارة التقليدية التي لم توفر له الدورات التدريبية وورش العمل والندوات واتاحة الفرصة له لمواصلة تعليمه وهو على رأس العمل ورصد المكافآت والمزايا لاصحاب البحوث والدراسات التربوية التي تهدف الى تطوير التعليم واشراكهم في كافة اللجان التطويرية للمعلم والتعليم.. وهذا على عكس واقع المعلم في الدول المتقدمة، حيث يخضع المعلم بين وقت وآخر للتقييم من خلال اخضاعه لاختبار تحريري وعملي لتحديد مدى جدارته في الاستمرار معلماً مع حرصهم على تمكين المعلم ومنحه الفرصة الكاملة لتطوير قدراته ومعارفه من خلال توفير العديد من الدورات التدريبية واتاحة الفرصة له للحضور والمشاركة في المؤتمرات والندوات وكذلك مرونة نظام التعليم بحيث يستطيع المعلم اكمال تعليمه في الجامعات والكليات بما لا يخل بواجبه التدريسي ويحقق خلال فترة من الزمن الشهادة المرغوبة والتي تعزز من قدراته ومعارفه العلمية والعملية. ان من المؤسف ان يغلب الطابع النظري لدينا حتى في الكليات والمعاهد العلمية والتقنية والفنية، فنجد أن ما يخصص من وقت في المختبرات والتجارب العلمية والتطبيق العملي الميداني قليل جداً مقارنة بما يخصص للسرد والحشو النظري الذي لا يتناسب وطبيعة واهداف هذه الكليات، واصبح اهتمام بعض القائمين على هذه الكليات على تضخيم الهيكل التنظيمي ومحاولة منافسة الهياكل التنظيمية للجامعات والمؤسسات الاخرى وكل ذلك على حساب جودة مدخلات ومخرجات هذه الكليات وكذلك ضعف المستوى التعليمي ممثلاً بالمناهج واسلوب عرضها وبالاجهزة والمعدات التي يتدرب عليها الطالب والتي تعتبر قديمة ولا تتماشى مع الوضع الراهن وهو ايضاًِ ما يسبب صدمة للطالب عند تخرجه بحيث يفاجأ بأن المؤسسات والمصالح الحكومية والقطاع الخاص تعمل على انظمة واجهزة خلاف ما تدرب عليه الطالب. وهذا يقودنا الى نقطة مهمة وهي غياب التنسيق والتعاون مع الاجهزة الحكومية والشركات في تصميم المناهج ومعرفة نوعية الاجهزة والانظمة والبرامج التي يجب على هذه الكليات توفيرها للطالب والتي تعكس احتياجات سوق العمل. التعليم العام هو الاساس ولا يكتمل فقط من خلال وجود مدرسة في فلة صغيرة مستأجرة! هذا اذا لم يكن في منزل شعبي متهالك!! ووجود ثلاثين طالباً في الفصل! ومعلم يفتقر الى الكثير من مقومات التدريس الفعالة!! او وجود مقصف يدار من قبل مجموعة من المدرسين او المدرسات! وكذلك الى غياب مكتبة مدرسية تعود الطالب على حب القراءة والبحث وحتى مع وجودها فلم يتم تفعيل دورها!! ومختبر مدرسي متهالك تنقصه الوسائل التعليمية الحديثة!! اما موضوع نقل الطلاب والطالبات فهو من المشاكل الكبيرة والتي اثقلت كاهل اولياء الامور مادياً ونفسياً. فلقد كان ابنائي برفقتي اثناء تواجدي للتدريب في جامعة ولاية فلوريدا الحكومية بمدينة تلاهاسي وشاهدوا تلك الباصات المدرسية المتميزة بلونها تجوب الشوارع والاحياء وعند توقف الباص تقف له كافة المسارات المرورية احتراما له ولمن فيه، ويخرج او يركب الطلاب يتقدمهم مرشد مسئوليته التأكد من سلامة الطلاب والوصول الى الممر المخصص للمشاة والمؤدي لمنزل الطالب، فقد سألني ابنائي بتعجب عن هذه الظاهرة الغريبة عليهم ولهم الحق في ذلك فلم يألفوها لدينا!! وآمل ان يروا هذه الظاهرة ويعيشوها واقعاً إن اعطاهم الله عمراً في ابناء ابنائهم!!. تطوير العملية التعليمية لا يقتصر على اصدار القرارات والتعاميم للمدارس وبدون ادنى مشاركة حقيقية من قبل مدير ومعلمي المدرسة في موضوع القرار او التعميم، بل انه من المفيد اشراك اولياء الامور في العملية التعليمية من خلال مجلس ادارة المدرسة او الحي والذي بدوره يكون احد الروافد المهمة لقيادة التعليم والقائمين على موضوع التطوير مع العاملين في الميدان التربوي. هل من المطلوب من العملية التعليمية ان تزيد من كراهية الطالب وولي امره للمدارس الحكومية ومناهجها الدراسية ام تهدف الى جعل المدرسة والمنهج والمعلم وسائل تشويق وترغيب لدى الطالب؟ وهل اصبح المختبر المدرسي في حال وجوده من الاماكن المحببة والمشوقة للطالب وخصوصاً اننا ندرك مدى اهمية ذلك على العملية التربوية الناجحة المبنية علي الاستنتاج والتحليل والابتكار والتي يمليها حاجة الوطن لمواجهة التحديات!! ام ان المطلوب هو توجيه الطلاب الي المدارس الخاصة؟ وهل كل الآباء قادرون على الحاق ابنائهم في المدارس الخاصة؟ ثم ماذا عن مستوى التدريس في تلك المدارس؟ وخصوصاً انه تبين تنافس هذه المدارس على اغراق الطالب بالدرجات مادام قادراً على دفع تكاليف الدراسة!! وهذه المدارس الخاصة في نظر الآباء والطلاب هي طوق النجاة والامل المنشود في قبول ابنائهم في الجامعات!! وهل اصبح الهدف من تعجيز فرص القبول في الجامعات يصب في مصلحة المدارس الخاصة؟!! مع كل ما تقدم ذكره من سلبيات الا ان التعليم في بلادنا خطا خطوات لا بأس بها، ولكن تطوير التعليم هو من العمليات المستمرة التي لا تقف عند حد او مرحلة، اضافة الى ان معطيات وتحديات المستقبل تفرض علينا اعادة النظر في اصلاح التعليم وفق اهداف واستراتيجية واضحة المعالم وموجهة لخدمة مستقبل الوطن. امتنا الاسلامية تمر بأزمة وضعف وهوان وعجز لا مثيل له في التاريخ الاسلامي يحتاج من الجميع توحيد الجهود ومضاعفة المسئولية على كافة الاصعدة والمستويات حتى نثبت لانفسنا وشعوبنا وللعالم باننا قادرون على العطاء والابداع والاسهام الفعال في اسعاد البشرية، ولنا في ديننا الاسلامي الحنيف قدوة فهو دين عبادة وعمل وتسامح وتآلف ونبذ للخلافات والتناحرات ولاسيما اعداؤنا يحرصون على فرقتنا وابعادنا عن جوهر ومبادئ ديننا الاسلامي لانهم يدركون مدى العزة والقوة التي تكمن فيه متى ما تمسكنا وعملنا به. لا شك ان الانسان هو محور تعمير الارض وتطوير وسائل الحياة وتقدم الامم ولكن هذا يتطلب الاعداد الجيد لبنائه حتى يكون لدينا قوة بشرية رادعة لمواجهة اعداء الاسلام، متسلحين بسلاح العلم والمعرفة والثقة بالنفس والعمل على اكرام واحترام الانسان وعدم الاستخفاف بعقله وقدراته واحتياجاته لكي نحقق الآمال والتطلعات، ولاشك ان الاصلاح الشامل في انفسنا ومنازلنا ومجتمعنا بكافة مؤسساته التربوية والاجتماعية والخدمية والاقتصادية، هو الطريق الصحيح لحل الكثير من المشاكل والاخفاقات المتكررة، وهو بداية الطريق الى تقدم ونهضة مجتمعنا. والله من وراء القصد مجلس الشورى [email protected]