سيادة الرئيس بوش أرجو ان تأخذ نفسا عميقا فقد حان الوقت لتبدأ العمل بشدة وبحزم من اجل التوصل الى حل لإنهاء التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا بالتأكيد السبب في تواجد وزير الخارجية باول في المنطقة الآن. في الشهور الأربعة عشر الأولى لرئاستكم حاولتم جاهدين تجنب الدخول إلى معترك الصراع العربي الإسرائيلي أو في عملية السلام في الشرق الأوسط، وفي الرابع من نيسان تصاعدت حدة الأزمة بشكل كبير واصبح من المستحيل غض الطرف عما يجري حيث إنها باتت تهدد المصالح الأمريكية الحيوية بشكل واضح مما دفعك إلى الدخول إلى قلب الأحداث. وهذا هو القرار الصحيح ولكن يتوجب عليك الآن أخذ نفس عميق من اجل القيام بعمل الكثير بحكمة ورؤية واضحة وبسرعة أيضا. إن الصراع في الأراضي المحتلة يعتبر مركز التوتر في ميزان القوى العالمي، وهذا يعني انك دخلت الان في شباك النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ولن يكون أمامك مخرج سهل من هذا المأزق، ولابد انك أدركت الآن بأنه ليس من السهل التعامل مع كل من الرئيسين ياسر عرفات وأرييل شارون . ولكن وفي الحقيقة فان كلا من الزعيمين قد تم انتخابهما من قبل شعبيهما، وأنهما يتمتعان بشعبية عالية وان الحرب الدائرة لا تقتصر فقط على الزعيمين أنفسهما بل تتعداهما إلى الشعبين أيضا اللذين توجد بينهما حرب ضارية. لتضع في اعتبارك يا سيادة الرئيس أن كلا من الشعبين يتصرفان بدافع من الخوف وعدم الأمان والكراهية الشديدة التي يكنها كل منهما للآخر. ولكن وعلى الرغم من سيادة تلك المشاعر العدائية فان كلا الشعبين وفي قرارة أنفسهما يعلمان بأنه يتوجب عليهما الجلوس معا من اجل التفاوض وتقديم التنازلات وإيجاد الطرق والوسائل من اجل التعايش السلمي فيما بينهما، إن دورك يا سيادة الرئيس هو العمل على تشجيع كل الأصوات التي تنادي بالسلام والتعايش السلمي بين الشعبين ولكنك لن تحقق ذلك بمجرد التقاط صور تذكارية مع الزعماء من كلا الطرفين بل يجب عليك العمل جاهدا من اجل التوصل إلى سلام عادل وحقيقي. وعند التوصل إلى تسوية مقبولة من الطرفين فان أي زعيم يقر بها يجب عليك الترحيب به ودعمه بقوة وعلى النقيض من ذلك فان من يرفض التوقيع على مثل هذه التسوية فانه يجب عليك إقصاؤه وعدم التعامل معه. يا سيادة الرئيس إن الدعم الأمريكي السياسي والمالي والعسكري يجب ان يحجب عن أي طرف من أطراف النزاع يحاول السير ضد مصلحة السلام، كما انه يتوجب عليك يا سيادة الرئيس أن تفكر مليا في الموقف الغريب الذي تحتله الولاياتالمتحدة اليوم فهي قد نصبت نفسها كالمحكم الأكبر حيال هذا الموضوع ولكنها بنفس الوقت تبدو منحازة بشدة للحكومة الإسرائيلية التي تبدو بدورها ملتزمة بتصعيد الموقف حيث ان المروحيات والدبابات التي اجتاحت المخيمات الفلسطينية عبارة عن هبات أمريكية والجميع يعلم ذلك، ومن اجل إتمام عملية السلام فإنك تحتاج أيضا ياسيادة الرئيس وبدبلوماسية كبيرة إلى إدخال شريك قوي يشاركك تحمل المسؤولية والعمل بقوة وحزم على إنجاز المهمة. ما هي عملية السلام العادلة التي يجب التوصل إليها؟ سيادة الرئيس لا تقلل أبدا من قيمة التقدم الذي أحرز في الساعات الأخيرة من رئاسة السيد كلنتون. فقد استطاع تقريب وجهات النظر الإسرائيلية الفلسطينية واقترب من الوصول إلى اتفاق نهائي، وفي محادثات كامب ديفيد الأخيرة التي جرت عام 2000 والمحادثات المصرية التي تبعتها في طابا تم تحديد الخطوط العريضة النهائية لعملية السلام، ومن أجل تجنب التأخير المدمر فقد شارك كلينتون بنفسه في محادثات طابا والتي تعتبر الآن خطة ونواة عملية السلام. إذا اتبعت أنت نفس الطريق ولم تنأ بنفسك بعيدا عن كل ما يجري فانك حتما سترى وستحرز تقدما قبل نهاية هذا العام، و على خلاف كلينتون فانك ما تزال تمتلك الوقت الكافي والقدرة السياسية على تطبيق سلام عادل وشامل في هذه الأراضي المقدسة، لقد حصلت مفاوضات طابا في أوقات صعبة كالتي نمر بها الآن وتزامنت مع حدوث اشتباكات عنيفة على الأرض ولكن هذا كله لم يمنع الجانبين العربي والإسرائيلي من تقديم تنازلات حقيقية من اجل إنهاء حالة الصراع الدائرة، فقد أشار الجانب الفلسطيني انه على استعداد لإجراء «تعديلات على الحدود» تمنح إسرائيل السيطرة على مناطق من شأنها السماح باستقدام أعداد كبيرة من المستوطنين، كما اظهر الإسرائيليون الرغبة بالانسحاب من بعض المناطق في الضفة الغربية مانحين بذلك الفلسطينيين قاعدة أرضية لدولتهم المستقبلية وممراً لمناطقهم في القدس، (ولنكن صادقين فان الجانب الإسرائيلي هو الذي قام بالانسحاب من هذه المحادثات). ونحن لا ننكر أن الأوضاع على الأرض قد ساءت الان بشكل كبير عما كانت عليه في كانون الثاني من عام 2001 ويبدو انه من المستحيل الاعتقاد بأنه من الممكن أن يتجاوز الطرفان كل ما حدث ويعاودا الجلوس معا من اجل التفاوض في ظل هذه الأجواء، وهنا يأتي دورك يا سيادة الرئيس في حث الطرفين على تجاوز الخلافات والنظر إلى الأمام. وعلى الأقل فان محادثات طابا قد قدمت أرضية صلبة لتبدأ منها، فقد دلت هذه المحادثات انه يوجد هناك طريق للسلام إذا توفرت النوايا، وأنا اعلم يا سيادة الرئيس انك تتلقى نصائح وإرشادات متضاربة، كما إنني على علم بأنك كنت وستبقى صديقا وفيا لإسرائيل ولكن عليك أن تتذكر دائما المثل الذي يقول: «إن الأصدقاء لا يدعون أصدقاءهم يقودون وهم سكارى». وهذا صحيح عندما يكون الأصدقاء مدججين بالسلاح وبقوة عسكرية ضخمة ويقومون بنفس الوقت بتوجيه دباباتهم وصواريخهم الأمريكية الصنع للإجهاز بشكل كامل على المدنيين العزّل. إن ما يحتاجه العالم الآن هو قيادة أمريكية لها يد حازمة تعمل على تهدئة الأوضاع، وبوجود هذا النوع من القيادة الفاعلة يمكن التوصل إلى تسوية خلال شهور أو حتى أسابيع ولكنك إذا نأيت بنفسك بعيدا عن هذا التحدي الحقيقي لقوة إدارتك فان النتائج ستكون مدمرة على جميع الشعوب التي تقطن الأراضي المقدسة، وكما قلت أنت بنفسك «كفى يعني كفى». كاتبة أمريكية ومؤلفة لخمسة كتب في الشؤون الدولية كريستيان ساينس مونيتور (خاص) خدمة الجزيرة الصحفية