هناك مثل يتردد في الكثير من البلاد العربية وهو أن باب النجاح مخلوع أو مخلّع، وهذا المثل العربي الشعبي يعني بشكل مبسط أن النجار أو من يحترف النجارة يكون باب منزله يحتاج إلى إصلاح فهو متعطل، رغم أن صاحبه نجار محترف ويصلح للناس أبوابهم عندما تتعطل. هذا المثل ينطبق على بعض غير قليل من مؤسسات التعليم عندنا، والتعليم العالي على وجه الخصوص، فهذه المؤسسات وخصوصاً الجامعات يفترض أن كل هيئات المجتمع بقطاعاتها الأهلية والحكومية تستعين بمراكز البحوث والدراسات فيها لإجراء دراسات تتعلق بالخطط المستقبلية لهذه الهيئات، أي المفترض أن تستعين المؤسسات الصحية بمؤسسات التعليم العالي الطبية، والمؤسسات المالية بأقسام الاقتصاد والمتخصصين في الشؤون المالية والاقتصادية، أما المؤسسات ذات العلاقة بالشؤون الزراعية فمن المفترض أن تستعين في وضع خططها بكليات الزراعة، والمؤسسات ذات الطابع التعليمي والتربوي فإنها دون شك تعتمد في وضع خططها المستقبلية على أساتذة الجامعات المتخصصين في التربية والتعليم، ويمكن أن يقال نفس القول عن موضوعات الإدارة وخططها في القطاعين العام والخاص اذ يتم فيها الاستعانة بكليات العلوم الإدارية، لقد أتيح لي الاطلاع على دراسة خاصة وليست للنشر، قام بها أحد منسوبي إحدى جامعاتنا الثماني حول المتوسط العمري لأعضاء هيئة التدريس في أحد الأقسام الأكاديمية في واحدة من الجامعات السعودية وتبين له أنه في خلال عشر سنوات من عام 1420ه سوف يترك العمل في القسم المعني أكثر من خمسين في المائة من أعضاء هيئة التدريس السعوديين، وذكر لي أن في القسم المشار إليه حوالي أربعين مدرساً ممن يحملون الدكتوراه بينهم ثمانية غير سعوديين واثنان من السعوديين، تم التعاقد معهم بعد بلوغهم السن القانونية للتقاعد وبقي ثلاثون سعودياً نصف هؤلاء من مواليد 1370ه وما بعد ذلك العام بعامين أو ثلاثة على الأكثر، أي أن خمسة عشر دكتوراً سوف يتقاعدون خلال عشر السنوات القادمة، علماً أن هذا القسم لا يوجد له مبتعثون لا في الداخل ولا في الخارج، أي أن هذا القسم سوف يحتاج خلال عشر السنوات القادمة لما لا يقل عن ثلاثين عضو هيئة تدريس جديداً هذا مع الأخذ في الاعتبار الزيادة المستمرة في أعداد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة، لا يوجد لدى هذا القسم الذي هو واحد من الأقسام الأكاديمية لجامعة سعودية مرموقة أي خطط خمسية ولا عشرية لانه لايوجد معيد واحد منتسب اليه، ولا هناك من منسوبيه من يحضّر لا للدكتوراه ولا للماجستير، أمام مثل هذا القسم في عشر السنوات القادمة أحد حلين لا ثالث لهما، إما أن في نية المخططين إغلاقه مع تقاعد السعوديين من أعضاء هيئة التدريس فيه، أو أنه ثبت للمسؤولين في الجامعة بل في التعليم العالي عدم نجاح تجربة تكثيف الحاصلين على الشهادات العليا من السعوديين، وأن العودة لأسلوب لجان التعاقد مع غير السعوديين هو الأنجح للعملية الأكاديمية في مؤسسات التعليم فوق الثانوي، لقد ناقشت منسوبي عدة تخصصات وأقسام، وكانت النتيجة واحدة بكل أسف، بل لقد اتفق الجميع تقريباً على أن بعضاً غير قليل إن لم يكن معظم الأقسام الأكاديمية سوف تعود خلال عقد من الزمان على الأكثر إلى أسلوب التعاقد وبكثافة، وبعض الأقسام بدأت فعلياً في العودة الى إرسال أو انتداب لجان التعاقد للسفر الى الخارج للتعاقد مع غير السعوديين، وهناك من يدلل على أن التعاقد قادم لا محالة إلى الكثير من مؤسسات التعليم فوق الثانوي في بلادنا، وذلك لأن أقساماً بدأت في المملكة وفي الجامعات السعودية قبل أربعين سنة وحتى قبل نصف قرن ولا يزال التعاقد فيها مستمراً بل هو في ازدياد لأن نسبة المبتعثين للدراسات العليا هي صفر، ونسبة السعوديين المتقاعدين لبلوغهم السن النظامية للتقاعد في ازدياد مستمر.