وما زال الرئيس ترامب يقاوم الهزيمة، وطبع الشخصية النرجسية عدم الاعتراف بالخطأ أو الخسارة، ولذلك فإن الرئيس يواصل تحديه القانوني والدعائي لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الرغم من فارق 7 ملايين صوت بينه وبين الرئيس المنتخب. وآخر ما دبره الرئيس مع ولاية تكساس هو تحدي النتائج في ولايات جورجيا، ميتشيجان، بنسلفانيا وويسكونسن واصطفاف 17 ولاية جمهورية إلى الدعوى التي رفعتها ولاية تكساس. انتهك الرئيس دونالد ترامب حرمة الانتخابات الأمريكية التي كانت الأنموذج الأرفع على مستوى الديمقراطيات، ولم يكن يتصور أحد أن تصل سمعتها إلى ما وصلت إليه، وهو الآن يقحم ولايات في الشؤون الداخلية لولايات أخرى، وهذه أيضاً واحدة من المحرمات في العرف الأمريكي؛ فكل ولاية تتمتع بسيادة تمنع غيرها من التدخل في شؤونها إلا عن طريق ما أقرته من قوانين فيدرالية تنازلت بموجبها عن سيادتها لصالح الاتحاد الأمريكي. لم تنته الحرب بعد، ولن تضع أوزارها في القريب المنظور، فكل المؤشرات تذهب إلى أنه لن يسلم بخسارته البيت الأبيض، ولن يحضر حفل التنصيب، ولن يذهب إلى حيث يجب أن يتقاعد كسابقيه، وإنما سيواصل تعكير صفو الإدارة المقبلة من خلال تحريك أتباعه وابتلاع الحزب الجمهوري الذي يعيش أزمة داخلية منذ سنوات. وقد رفضت دعوى ولاية تكساس من المحكمة العليا الطعن بالانتخابات في أربع ولايات. لقد ساورت المخاوف الأمريكيين منذ لحظة فوزه في انتخابات 2016 التي كانت مفاجأة المفاجآت، وعلى وحيها كتب ثوماس مان في 20 ديسمبر 2016 أن «انتخاب دونالد ترامب رئيسًا يعد لحظة فارقة في التاريخ الأمريكي؛ فترشيحه وحملته الانتخابية وانتصاره وأفعاله في منتصف الطريق خلال الانتقال إلى الحكم، والتي لم يكن من الممكن تصورها حتى الآن، تشكل تهديدًا حقيقيًا لرفاهية بلدنا واستدامة ديمقراطيتنا». وعلى الرغم من استثنائية الرئيس وحضور الدرامي وطريقته الفريدة في الحكم والتعاطي مع الإدارة والسياسة فإن إنجازه يعد هزيلاً على مستوى التغيير الإيجابي في الداخل الأمريكي، فهو لم يتمكن أن يأت بما لم يستطعه الأوائل من الرؤساء. وقد كتب جون هيربرت وزميلاه في كتابهما «الرئاسة العادية لدونالد ترامب» الذي صدر عام 2019 إلى أن رئاسته عادية إلى حد ما، على الرغم من أنه الرئيس «الأكثر غرابة في تاريخ أمريكا على الإطلاق». ومع ذلك ورغم شخصيته الاستثنائية ونهجه غير المعتاد في العمل، فإن رئاسته عادية جدًا في إنجازاتها ونتائجها، سواء في الداخل أو في الخارج. ويضيف المؤلفون أن عدد ونطاق إنجازات ترامب هزيل نوعًا ما؛ فالمتمرد الشعبوي الذي خاض الانتخابات ضد واشنطن اتبع أجندة سياسية تتوافق إلى حد كبير مع التقاليد الجمهورية المحافظة ولم يحدث ثورة في السياسة الأمريكية. أي أن نهج ترامب الاستثنائي لم ينتج عنه سياسات غير عادية. ومن المفارقات التي يذكرها المؤلفون أن روعة ترامب على وجه التحديد كرئيس هي التي ساعدت في جعل رئاسته عادية. أي أن إمكانات شخصيته الاستثنائية لم تتجاوز به النطاق الطبيعي في الحكم، وهو ما يمكن أن يحققه رئيس قادم من المؤسسة التقليدية. ماذا عن جدار المكسيك العظيم، وتقييد الهجرة، وإعلان أمريكا أولاً، أو إعادتها إلى العظمة مرة أخرى، وارتفاع مؤشرات أسواق المال إلى أرقام قياسية والازدهار الاقتصادي الذي تحقق في بداية عهده، وخروجه من اتفاقية المناخ وبعض الاتفاقيات التجارية، ورفع الرسوم على البضائع الصينية ...الخ، وما إذا كانت هذه إنجازات تحسب للرئيس أم لا. بدون شك أنها ستحسب للرئيس أو عليه، ولكن بعضها صدر بأوامر تنفيذية ويسهل إلغاؤها بأوامر تنفيذية. الشرق الأوسط حظي ببصمة لا تنسى للرئيس ترامب، ولن يفعل ذلك رئيس غيره، ولا يجرؤ على ما فعله رئيس يأتي من المؤسسة التقليدية، وخرج من الاتفاق النووي مع إيران، وأمر بقتل قاسم سليماني، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترف وضم أراضٍ عربية محتلة لإسرائيل، وفرض حصارًا غير مسبوق على إيران، وحرك عملية السلام والتطبيع بين العرب وإسرائيل بما لم يتصوره أحد من قبل، واعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وأجلس الأمريكيين على طاولة مع حركة طالبان التي حاربتها أمريكا عشرين عامًا تقريباً. الرئيس ترامب حفر صورته في ذاكرة 74 مليون أمريكي ممن انتخبوه، ولا أظنه إلا تاركًا بصمة لا تمحى عن الخارطة الأمريكية.