الطفرة التقنية والاختراعات والابتكارات المتزايدة بشكل يومي، بل في كل لحظة، أحدثت فجوة كبيرة في العلاقة ما بين الآلة والإنسان، ولم يعد من الممكن اللحاق بهذا الكّم الهائل من التطور التقني والتكنولوجي، بل أصبحنا مجرد أرقام، وعقولنا تم برمجتها كالخوارزميات، وذلك لما تتطلبه الحياة في عصرنا الراهن. والفرد الذي لا يمتلك وسيلة تقنية أياً كانت كالجوال أو الكمبيوتر أصبح يطلق عليه أميّ، ليس الذي لا يعرف القراءة أو الكتابة، بل أميّ لأنه لم يستخدم هذه الآلة أو تلك، ولأنه سيعيش بعيدا عما يجري حوله من أحداث وتطورات محلية أو عالمية.. فالبعض من الناس قد يعتبر هذا الأمر كمالياً، وليس مهماً أو بالضرورة الأخذ بالاعتبار به.. ولكن في حقيقة الأمر الوضع تخطّى ذلك وأصبحت الأمور تترجم بالأرقام والتقنية، وكل بيت لا يخلو أفراده أو البيت كبناء من حاجات أساسية كالغسالة أو الثلاجة أو التلفزيون أو المصعد والميكرويف وكذلك من المصعد في بعض حالات البيوت.. كل هذه الحالات والتطورات ألقت بظلالها وتأثيراتها على المجتمع، وأحدثت خللا في العلاقات الاجتماعية والتركيبة الاجتماعية.. مما استدعى قيام وتشكيل مدارس ومناهج في التفكير من أجل مواجهة وعلاج هذه الحالات، لأنها تحولّت إلى حالة إدمان (صنّفت الحالة مرضيّة وتتطلب علاجا – حسب ما توصل إليه العلم الحديث) في اقتناء كل جديد على الصعيد التقني وإنفاق الكثير من الأموال من أجل الحصول عليها، وتحمّل العائلة الكثير من الأعباء المادية التي أصبحت تثقل ظهر ربّ الأسرة، ولو أخذنا مثالا اختراع المصعد الكهربائي شكّل ثورة هائلة في حياة البشر لا تزال تتفاعل إلى يومنا هذا. فقد قضى نهائيا على شكل البيت أو العمارة اللذين استتبا منذ آلاف السنين. فالناس في وقتنا الحاضر يبنون مدائنهم، وبلدانهم وقراهم، على أساس أن المصعد موجود. ومن الصعب تصّور الشكل الذي كان يمكن أن تكون عليه مدينة مثل نيويورك أو العواصم التي تزدحم بالسكان، لولا وجود المصعد الكهربائي. إن ثلاثة أرباع ما نشاهده من أبنية ما كان ليوجد لولا وجود المصعد. وكانت الأبنية التي تتألف من طابق أو طابقين وثلاثة هي التي تحدد شكل المدينة ومساحتها. فسكان المدن الحديثة لم يستطيعوا السكن في هذه العمارات الشاهقة المزدحمة لولا المصعد، وكذلك اختراع الهاتف بمختلف أنواعه، باعد بين الناس بدل أن يقربّهم. فحّل صوت محل الإنسان حتى في أحوال الصداة. والسيارة قلّلت من حنين الإنسان للإنسان لأنها جعلت البشر أهدافا سهلة لبعضهم البعض، فبات الواحد منهم يزهد بالآخر وسريع الضجر منه. أما التلفزيون فقد فرّق أفراد العائلة حتى أثناء احتشادهم في غرفة واحدة. وهكذا وصلتنا التقنية الحديثة وما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بمختلف أشكالها، وأصبحنا روبوتات متنقلة من مكان إلى آخر ومن جهاز إلى آخر، لا نعلم إلى أين ستصل بنا هذه التكنولوجيا، فإن الآلات ماضية في التطور والازدهار فيما الإنسان يتقهقر ويزداد وحشة. ** **