من الطبيعي أن تكشف المظاهر البسيطة عن أشياء عميقة. تصرفاتنا اليومية وأحياناً سقطات اللسان وبعض الطوارئ اللفظية أو الأخلاقية هي من العمق بمكان، وهذا ما جعل علم النفس يتطور ليجعل من الأحلام والهذيان وغير ذلك ضمن الدراسة والتحليل كما هو عمل عالم النفس (فرويد). لهذا فإن متابعة تصرفات الناس في المطاعم والأفراح والأتراح والبيوت والشوارع وقيادة السيارات بل والمصاعد، الذين يسكنون البنايات ذوات المصاعد أو في المؤسسات والمكاتب تجد المصعد يكشف بعض ما تخبئه البواطن. البعض حين يدخل المصعد يبتسم أو يرحب بينما البعض لا يرد التحية والبعض الآخر يبدأ بالحديث عن الطقس أو الحديث عن مباراة أو تبادل التحايا والتوقير. المصعد يكشف عن تفاصيل التفاصيل، من ضمنها مثلاً أن تجعل المسنّ يركب قبلك أو أن تقدّم من تقدره ليكون قبلك في الدخول إلى المصعد. تأخذ علوم المجتمعات - كما يقال - من الحلاّقين وسائقي التاكسي وأضيف عليها من دخولك للمصاعد، هذه الغرف المغلقة بأشبار صغيرة جداً تجمعك وجهاً لوجه حد الازدحام مع الشرق والغرب. لهذا تعاقب القوانين على التحرش في المصعد بعقوبة أغلظ من التحرش خارجه، مما يدل على قوة هذه العلبة الصغيرة وخطورتها ودلالتها. المصعد بؤرة كاشفة للتصرفات والأدبيات والأخلاقيات. وعلاقة الناس بالمصعد مثل علاقتهم بالأمور الصغيرة التي لا ينتبه لها؛ بينما هي تكشف بشكل كبير. في تلك العلبة المعلقة يدخل عليك الجار البشوش والجار العبوس. وتجد فيه التعاون أو التنافر. البعض يساعد الآخرين على حمل الأكياس الثقيلة والبعض الآخر يكتفي بالنظر والفرجة والوجه العبوس القمطرير! المصاعد - أيها السادة - أداة هي في عمق المجتمع وفي أساسه، وكما نحاول أن نرى وجوهنا في مرايا المصعد صعوداً وهبوطاً فعلينا أن نرى أخلاقنا وأن نطورها ونحسنها من خلال الابتسامة وإعانة الآخرين والوقوف معهم أخلاقياً، وحين نرى المصعد مزدحماً يمكننا أن نطلب الإذن بالدخول حتى لا نكون موضع ضيق وشعور بأنك حشرت الآخرين في أماكنهم وأثقلت عليهم. بآخر السطر؛ فإن علينا أن نرى أنفسنا في الأمور التي نغفل عنها، والمصاعد أحد النماذج. هناك أماكن كثيرة تكشف أخلاقنا، لا أنسى القيادة للسيارة والشتائم والعصبية فهذه تكشف الشخصية بعمق، فلا تكونوا عشوائيين، والأخلاق ليست بالأمور التي نمثّلها بل في الأمور التي نكون عفويين فيها. ثمة ملمح آخر، فبعض الناس الإيجابيين، الذين يتفاعلون مع كل أجناس البشر، يشبهون أنفسهم بالمصعد، الذي يتجاوب مع كل أحد، بذات الأريحية، دون أن يشترط أن يكون المخدوم على قدر من القبول. سواء سكن القبو أو الدور العلوي المكون من طابقين وزيادة!