ذات زمن دراسي مضى في أمريكا، كان أحد الزملاء في قاعة المحاضرات في انتظار وصول أستاذ المادة، وهناك وجَّه إليه أحد الزملاء الأمريكان سؤالاً يتمحور حول «الإرهاب الإسلامي»، فبادره زميلي هذا متصنعاً المزاح بالقول إنه سوف يجيب عن تساؤله هذا شريطة أن يسمح له بتصحيح خطأ رسَّختْه وسائل إعلام تدَّعي بأنها أمريكية وهي أبعد ما تكون عن الأمريكية Unamerican)) ، والمعنى المضمن هنا هو انتفاء تقيدها (بالقيم الأمريكية). هذا وكان زميلي يقصد بذلك السيطرة اليهودية على وسائل إعلامهم، غير أنه لم يصرح بها مباشرة لأسباب عديدة، من ضمنها على سبيل المثال مراعاته (لقناعات) الحضور، فلو استهل مداخلته قاطعاً بحقيقة ملكية اليهود لإعلامهم، لربما أثار بذلك قناعاتهم الذاتية، وحينها لاقتصر النقاش على موضوع ملكية اليهود لهذه الوسائل، وفي موقف كهذا فمن المحتمل ان يلجأ المُخاطَب سعياً لإثبات ذاته إلى تقمص دور المدافع عن اليهود، الأمر الذي قد تضيع بسببه من يد هذا الزميل ملكية الموقف (الذهني) لتبليغهم ما في ذهنه. فاستراتيجيته اللغوية الثقافية هذه مليئة في الحقيقة بالمضامين النفسية، فقد أثار بما قاله انتباه الجمع، وأيقظ غرائز التحسس لديهم حيال ما سوف يقول، بل وانطلق من واقعهم القِيَمي ليدين جزءا من هذا الواقع من دون أن يدين نفسه في أنظارهم كأن يبدو متحاملاً على مقوماتهم الثقافية، لا سيما أن العرف الأكاديمي هناك يتوقع من طالب الدراسات العليا التزاما بالموضوعية وتحاشي التعميم ولو تصنعاً. في هذه الأثناء شرع صاحبنا بإجابة سؤال (الإسلام والإرهاب) عن طريق طرحه لتساؤل..، بمعنى أنه استهل إجابة السؤال المطروح بطرح سؤال!، حيث سألهم عن جنسيات عددٍ من المنظمات الارهابية المشهورة عالمياً، من ضمنها منظمات أمريكية شغلت بالإرهاب حيزاً لا يستهان به من تاريخهم في الستينات الميلادية. هذا وعلى الرغم من أنهم قد أجابوه بإجابات منها الصحيح ومنها كذلك غير الصحيح، فالأهم من ذلك أن حيلته قد انطلت عليهم، حيث لحظتها بادرهم بالقول «الغريب أنكم لم تتعرضوا البتة لأديان أعضاء هذه المنظمات (المسيحية)، فما هو السر وراء تقسيمكم لها وفق جنسياتها، ومزجها أو تكويمها Lumping) (هناك يقصد الشرق الإسلامي تحت لواء الدين الإسلامي؟ لماذا لا تمثل المنظمات الإرهابية المسيحية دين أفرادها مثلما عنْون إعلامكم إرهاب الشاذ من المسلمين وربَطه بديانته: الإسلام؟!.. حينها ألجم الجمع وران السكون.. ليدلف الأستاذ، ويشرع بالمحاضرة.. في مقالة (الأحد القادم)، تستعرض شدو إن شاء الله موقفاً (ثقافيا اتصالياً) آخر لزميل آخر، في الوقت نفسه تطرح شدو وتجيب عدداً من الأسئلة من ضمنها السؤال التالي: ألم يحن بعد الوقت لتأسيس حيز من شأنه منحنا (التميز) الذي نستحقه، والفرصة لمشاركة إخوة (العقيدة) من أمة الإسلام أمورهم الإيجابية وفي الوقت نفسه يجنبنا مغبات الوقوع معهم في نظر الآخرين في خنادق سلبيات التجاوزات التي ترتكبها فئات ضالة منهم عقيدة وفكراً وسلوكاً وسياسة..؟! ما الذي يجمعنا بقتلة ساديين من أمثال أبي سياف الفلبيني الذي يقتات باسم الإسلام على اختطاف الأبرياء الغربيين على حساب الإسلام؟! وماذا عن قتلة الأطفال والنساء في الجزائر؟ بل كيف لنا أن ننسى (المكافأة) التي قدمها الأفغان لمن ذاق الأمرين دفاعاً عن بلدهم من العرب؟!.. أما المكافأة فهي حرق الرجال أحياء واغتصاب الحرائر العربيات.. فاللهم لا شماتة!