من نافلة القول ان الأسباب الرئيسة للحملة الاعلامية الأمريكية على مقوماتنا الثقافية هي في جوهرها «سياسية»، مهما خلع عليها البيت الأبيض أردية الحرية الفردية، والسياسات الاعلامية المؤسساتية المستقلة، وغير ذلك من وسائل التنصل والمناورة والمراوغة. فالمتابع لهذه الحملات لا يفوته ان يلاحظ مضامينها السياسية، رغم طبيعة محتواها المتمحور حول ما يرونه من وجهة نظرهم غلواً وشططاً في محتويات وآليات التنشئة الاجتماعية لدينا، استدلالا من قبلهم بحقيقة ان خمسة عشر فردا من التسعة عشر متهما في الحوادث الارهابية الاخيرة هم من ذوي الجنسية السعودية. حتى ولو صدقت هذه الشائعة فانها حتما لا تمنحهم الحق في تشويه مقومات الغير الثقافية بكل ذاتية ومعيارية وعنصرية، غير عابئين بالمبادىء التي لا ينفكون يتغنون بها، بل ويرمون بها على كواهل معارضيهم، من قبيل الموضوعية، وضرورة الايمان بنسبية الثقافات، وحقوق الانسان، وغير ذلك الكثير. انه الاسقاط بذاته، والا فما هو موقع المقررات الدراسية ككتب التوحيد للمرحلة الثانوية من خريطة حقائق هذه الحوادث الارهابية؟ حقا ما هي علاقة المقررات الدراسية للمرحلة الثانوية بأحداث جسام تتوزع وتتناثر جذورها وبواعثها وحيثياتها في الشرق كما في الغرب، وفي الجغرافيا كما في التاريخ؟ بل ما مدى صحة تفسير أحداث التاريخ وفق معايير سطحية ضيقة اختزالية اسقاطية، كتلك المتمثلة في المقررات الدراسية؟ ومن هو المستفيد الأول من مثل هذا الاختزال الحضاري المشين: الفرد الأمريكي الذي طاله من خير هذه البلاد الكثير.. ام القريب جغرافيا، الممسوخ انسانيا، المتربص الغاصب الصهيوني..؟ وهل تمنحنا هذه الحملة الحق ذاته والمعايير ذاتها في تعليل ما يحدث داخل امريكا من اجرام معدلاته تفوق كافة المعدلات العالمية؟ وهل يصح لنا اتخاذ مناهج أطفالهم الدراسية سببا رئيسا لتفسير أسباب وقوفهم الأعمى مع هذا العدو المغتصب؟ أو حتى في تفسير اسباب وقوفهم الأعمى مع هذا العدو المغتصب؟ او حتى في تفسير ما يروج في أمريكا من حركات تطرف دينية مجنونة ديدنها «انقاذ» السذج الضعفاء بالانتحار تضحية للسيد المسيح؟ بالمناسبة، ماذا عن «جيمس جونز» المسيحي المتطرف الذي قضى باسم الانقاذ على آلاف من اتباعه البائسين؟ وماذا عن المنظمة المسيحية المتطرفة التي انتهى المطاف بأتباعها الى الانتحار بقيادة مخلصهم «ديفيد كوريش» في إحدى مزارع مدينة «واكو»، والتي تقع على مقربة من مزرعة الرئيس الأمريكي جورج بوش في ولاية تكساس؟ ولماذا لا تقرن مثل هذه الأحداث المأساوية بديانتهم وثقافتهم، قياسا على الربط «الاوتوماتيكي» للارهاب بالاسلام؟ وهل حقيقة كون سجونهم تكتظ بأكبر عدد من السجناء في العالم تدل على ايجابية ام سلبية ثقافتهم هذه؟ وما هو تبريرهم لحقيقة ان معدلات اغتصاب النساء لديهم تفوق معدلات الاغتصاب في أية دولة شرقية أكانت أم غربية..؟ بل ماذا عن حقائق التشويه الحضاري للمسلمين في مقررات أطفالهم الدراسية «وثمة من الأدلة على ذلك ما لا يتسع له الحيز المتاح». وماذا عما يروج هناك في القنوات التلفازية المسيحية من تعصب وحقد وتبرير للارهاب الصهيوني.. وأحد أشهر هذه القنوات يتزعمها المتطرف العنصري، «الصديق الشخصي لجورج بوش الأب» الأفاك المدعو «بات روبرتسون Robertson» صاحب البرنامج التلفازي الناضح عنصرية وحقدا، المعنون ب«The 700 Club». نواصل ان شاء الله في المقالة القادمة طرح المزيد من التساؤلات العقلانية، فنناقش حقائق تتعلق بكتابهم المقدس ذاته، لنعرج من ثم على حقيقة ان للاسلام عليهم من الفضائل ما لا يعد ولا يحصى، ويكفيهم في هذا المنحى حقيقة ترويضه العجيب لشراسة مجرميهم من السجناء.. بل كيف يغيب عن أذهانهم التأثير العظيم الذي أحدثه الاسلام في «عقلنة» ايديلوجيات حركات السود الأفارقة الساعية الى المساواة خلال الستينيات الميلادية؟ وهل نسوا أم تناسوا تأثير الاسلام وقتذاك في توجهات وسلوكات «مالكوم اكس» رحمه الله؟ بالاضافة فسوف نستعرض الطريقة المثلى طريقة اليهود حين يقارعونهم الحجة بالحجة، ويبادلونهم التهمة بالتهمة، فيفندون بكل هدوء مدوٍ الاجابة بالسؤال، والسؤال بالاجابة، وذلك حين يقارنون «فيقرنون» الحدث بنظيره من احداث تاريخهم، الغني بالأحداث الى حد التخمة لا انسانية..!