في ليلة صيف صافية، إلا من نسيم باردٍ يُلهب التفكير، استقبلت القمر مستلقياً أبادله النجوى.. في رحلة عدت بعدها أتأمل القمر، سائلاً نفسي: ترى.. ماذا لو كُنتُ مخلوقاً قَمَراً؟! علمت بذلك أم لم أعلم، شئت ذلك أم لم أشأ! لكني مُنحت إرادة تريد بأن أكون! .. وأردت أو لم أرد، شكل سطحي ووظيفتي إلا أنني صرت قمرا! صلاتي الأزلية أن أنقل ضوء الشمس في كل ما حولي من ظلام كونيٍّ دامس، لا أرى فيه إلا ما يرتطم به ضوئي من أجرام سماوية محيطة.. أو أنني لا أرى؟! وأتأمل في ذلك الكوكب الأرضي، أرتالاً من البشر التقيهم مرة في كل يوم. فأرصد من بينهم من ينظرني بانشغال.. وأنا مشغول في نقل الضوء، بعضهم حسبوا بي الشهور والأيام.. وأنا مشغول في نقل الضوء، بعضهم ألهوني.. وأنا مشغول في نقل الضوء.. بعضهم ادعوا.. وأنا أعلم حقيقة ما ادعوا.. انهم صعدوا إليّ.. وأنا مشغول في نقل الضوء، ووحيد مستلق، وفي عينيه بريقٌ يعكس بعض الضوء؟! وإذا به في ليلةٍ يعبث كي يكتب عن سرٍّ لم يكشفه لنا الله بعد.. أو أنه سبحانه لن يكشفه. فاقتربت قليلاً وأنا موقوف إلا ثلثي عن نقل الضوء ، أتفكر في ذاك المخلوق المستلقي، منشغل بي عن الكون حوله! ولماذا أنا وحدي الذي أشغلته؟ وما أنا إلا مملوك.. في كونٍ مخلوقٍ.. من حرفي «كُنْ»! وإذا بي ألمح في عينيه حنيناً ليس كحنو العشاق لضوئي وهزيعي! لم أر في عينيه.. عشق حيارى الليل دليلي! لم يشعر أني أرقبه، ومضى: لم يكتب ذاك لساني ، لكني أتخيل أنّي فيه.. وأكتبه؟! *** كان ذلك المستلقي، عاشق القمر.. كان يرى فيه رمزه الشاهد على قيمة العمل، ليدغدغ بذلك فطرية أفكاره الوحشية. *** أي عمل تافهٍ هذا الذي أقوم به! ولا شيء إلا أني أنقل ضوء الشمس؟! أراني بائع حليب كسول، يوزع حليب الصباح.. بعد غروب الشمس!، وما أنا للناس إلا كحساء باردٍ وقليل! .. هاؤمو لم تتحملوني بعد أن رافقتكم طويلاً فصغتم لبيوتكم «أقماراً» تمنح الضوء.. وأحياناً الضوء والدفء معاً! بعضهم لم يثق في حسابي للشهور!.. آخرون جعلوني شاهداً لدفاترهم وتقاويمهم الباردة!.. فصرت جريدة تحفر أخبار الأمس على ورق، وقد سبقها الأثير.. يداعب شباكه الرقمية! «ويردد السؤال: ماذا لو كنت مخلوقاً قمرا؟!».. أيّ وظيفة دنيوية تلك التي تجاري موقع القمر؟! أي مخلوقٍ مؤثرٍ ذاك الذي يرونه القمر؟!، أي حكمة الهية تلك التي رسمت مهنة القمر! ... وأنا كأمير فلكي يرتدي حلة من ذهب، يقف شامخاً كعين ساهرةٍ، غير فاضحة. بقي حالماً، لأن فيه سكوناً! بقي الأجمل، لأنه المتجدد! بقي عنوان الشوق، لأنه يظهر ويغيب، بقي المناجي.. لأنه الوحيد الذي يسمح لنا أن نبحلق فيه بلا خجل، بقي صادقاً.. لأن في داخله رمضان. .. ما أعظم أن تكون لك سلطة انتقائية على الشمس! فتنقل ما تختاره من أشعتها التي تسطر الكون. ما أجمل أن تكون متغيراً دائماً، ومتجدداً أبداً!.. ما أنبل أن تناصف الشمس الفضاء؟! ما أروع أن تمنح الليل كساء!!.. ليس أثمن، من أن تركت وحيداً في السماء. ترى.. ماذا لو كان القمر صديقي هذا المساء؟! فأكون صديق القمر وحدي، فيقترب لأختزل كثافة الضوء في ريشتي، فأمسي سفير القمر.. عندها يكون لي يوم وحيد، يغيب فيه القمر، فأكون أنا فيه الوحيد! أساعد القمر في وظيفته الأزلية، فأنسج خطوطي الضوئية في سرمدية ليلنا.. فقد اثملت بي سواني الأرضيين! حينها سيعرف الناس غير نقل الضوء وظيفة أخرى يقوم بها القمر، أياً كان الوقت وأنت تقرأ رسالتي هذه. ... فأكتب إليك أستأذنك: هل قرأت.. أسطورة القمر؟ مانشستر