أورد أبو هلال العسكري في كتابه :«جمهرة الأمثال» هذا القول: «إن من البيان لسحرا»، وقال :«أول مَنْ لفظ به النبي صلى الله عليه وسلم.. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لعمرو بن الأهتم: أخبرنا عن الزبرقان ، فقال: إنه مطاع في أدنيه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره، فقال الزبرقان: يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من ذلك، ولكن حسدني، فقال عمرو : والله يا رسول الله، إنه لزمر المروءة، ضيق العطن، حديث الغنى، أحمق الولد، لئيم الخال، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الأخرى، رضيت فقلت بأحسن ما علمت، وسخطت فقلت بأسوأ ما علمت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن من البيان لسحراً» (1). قلت: وتفسيره كما ذهب إليه أبو هلال العسكري نفسه في توجيه المعنى في ذمِّ البيان أم مدحه: «الصحيح أنه مدحه وتسميته إياه سحراً، إنما هو على جهة التعجب منه، لأنه لما ذم عمرو الزبرقان، ومدحه في حال واحدة، وصدق في مدحه وذمه فيما ذكر، عجب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك..» (2). ومن هنا أتى الاعجاب بفصاحة هذا المتكلم وبيانه، إذ هو سريع البديهة، قوي العارضة، استطاع توجيه معانيه في مكنة من توظيف الدلالة اللغوية التي حملت أفكاره ودلت عليها، وهذا حال عندئذ من نضج العربية وجزالتها، فلا غرو فهي وعاء القرآن الكريم ولسانه، والله سبحانه وتعالى يقول :«فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون» (3) وقال سبحانه :«إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون» (4). الحواشي: 1 1/18 2 المصدر نفسه 1/18،19 3 آية 58 سورة الدخان 4 آية 2 سورة يوسف