يربط الكثيرون بين القهوة والثقافة والكتب لدرجة يصعب الفكاك منها حين يقولون إن كل مثقف معاصر يجب أن يكون محبا للقهوة (المصنعة بالتحديد وليس العربية)، أو أن تكون القهوة عنصرا هاما في روتين حياته اليومية .. وقد كان لعدد من كبار المفكرين والمثقفين والأدباء والشعراء والكتاب دور في هذا التوجه وفي تسويق شرب القهوة من حيث لا يشعرون حتى حصل نوع من التنميط والربط بين القهوة من جهة والثقافة والكتب من ناحية أخرى. ودفع هذا التنميط تيارا واسعا من الناس إلى الرغبة في الدخول ضمن تصنيف المثقفين عبر التظاهر بشرب القهوة، شجعهم في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي حيث انتشرت صور أكواب القهوة وإلى جانبها كتب أو روايات أو صحف مع ورود أو خيال مطر أو سماء زرقاء أو ملبدة بالغيوم، حتى اشتهرت مقولة (إذا أردت أن تصبح مثقفا فاشرب القهوة). ولو بحثنا داخل بعض وسائل التواصل عن وسم (قهوة) أو (coffee) لوجدنا ملايين صور أكواب القهوة المنمقة والجميلة، كثير منها إلى جانب كتب أو صحف أو أقلام. ومما تم تداوله من طرف في هذا الصدد أن أحدهم اشتكى أنه يشرب القهوة لسنوات ولم يصبح مثقفا، فقيل له (جرب أن تحتسيها) ! عجيب أمر هذا المشروب الذي انتشر حتى أصبح أكثر المشروبات انتشارا في العالم (أكثر من بليون كوب يوميا). يربطها العشاق بالحب، ويلوذ بها بعض من يعاني ألم فراق الحبيب للتعويض عن ذلك .. بينما يربطها آخرون بالنشوة والسعادة والوحدة وبالكتب والشعر والمطر والموسيقى .. ولو نطقت القهوة لربما قالت: أنا مجرد كوب قهوة عادي جداً مصنعة من نبتة البن، وليس لي علاقة بالثقافة أو بالكتب .. لن أحل مشاكلك العاطفية ولن أعوضك عن محبوب هجرك.. أنا لن أغير حياتك ولست صديقة لأحد ولا علاقة لي بفيروز أو بالعزلة أو بالأجواء الاجتماعية أو حتى بالمستوى الاجتماعي للأغنياء أو الفقراء .. كل ما في الأمر أن مادة الكافيين التي تعتبر مكونا أساسيا في تركيبتي تعتبر مقاومة للنعاس ومنبهة للذهن وللجهاز العصبي لا أكثر. وإذا أردت أن تكون مثقفا فاقرأ كثيرا وجالس المثقفين حتى لو لم تحتسي كوبا واحدا مني.. ولو أنك احتسيت القهوة طيلة عمرك دون قراءة فلن تصبح حتى مايكرومثقف .. نعم لا أنكر بأن لي دورا في تزيين طاولة الكتاب والمثقفين والمفكرين، لكنني لا أستطيع أن أصنع من الجاهل مثقفا أو مفكرا أو فيلسوفا .. وما تغنى الكتاب والشعراء بي إلا استلطافا منهم لطعمي ورائحتي ومكوناتي، ولأني كنت رفيقا لهم في السراء والضراء وفي لحظات المخاض الصعبة للكتابة والفكر .. هذا كل ما في الأمر .. أرجوكم اتركوني وحالي ولا تزجوا بي في شؤون الثقافة .. فلقد قرأت جميع تعريفات الثقافة بجميع لغات العالم ولم أجد فيها ما يقول إن لي علاقة بها .. احتسوا ما شئتم مني بمختلف النكهات والأذواق وبمقدار ما تشاؤون لكن لا تربطوني بالثقافة والمثقفين ولا بالكتب والكتاب فلقد سئمت كلامكم هذا ولا أرى له من واقع وهو يحملني ما لا أحتمل. ** ** - يوسف أحمد الحسن