قصة هذه اللوحة التي بدأت مع استعداد لمعرضي الخامس عشر الذي أقيم في محافظة جدة في النصف الثاني من شهر شعبان لعام 1436ه. والحقيقة أنني لن أتكلم لأوضح قصة محتوى اللوحة بقدر ما سأسرد قصة اللوحة من الناحية الحياتية ورحلتها من بداية التفكير والتخطيط كفنان وحتى الانتهاء منها والتوقيع عليها ولن أتعرض للمحتوى الفكري ولا المضمون الأدبي الذي تحمله اللوحة من خلال استقراء الرموز والعناصر للدلالة على المضمون الأدبي الذي يريد ويبحث عنه المتلقي في أغلب الأحيان بمعنى أن مضامين الأعمال الفنية مرتبط بذائقة المتلقي القرائية للنصوص البصرية وتختلف باختلاف القراء. بدأت قصة هذه اللوحة في شهر شعبان من عام 1436ه عندما وقعت يداي على هذه اللوحة ذات المقاس (120سم × 150سم) فحملتها وكلي فرح بهذا المقاس الذي سيضم تصميمًا كنت أتوقع أنني سأكون سعيداً بإنجازه في فترة وجيزة لتلحق -اللوحة- زميلاتها في قاعة العرض ضمن لوحات معرضي الخامس عشر في جدة وضعت اللوحة على حاملي الرسم لأن مقاس اللوحة كبير وحتى أتمكن من رؤيتها بشكل قادر على إنجازها بكل يسر وسهولة، كما تعودت في الأعمال التي سبقتها، ولكن حدث ما لم أتوقعه، اتصال هاتفي غير سار، حيث كان الهاتف مفتوحاً ولم أغلقه كالعادة عندما أكون في مرسمي وما ذلك إلا تحسب لمثل ذلك الطارئ فنحن معشر الفنانين نُصنف أننا حسيون (مفرطو الحساسية) وهذا يعد عيبًا لدى الآخرين الذين يتعايشون معنا وإن كنا نعدها ميزة تجعلنا نستطيع أن نعبر من خلالها عمَّا نشعر به من متغيّرات تحدث أمامنا أو في دواخلنا نتيجة ما نتأثر به من مثيرات خارجية تؤثّر في متغيرنا الداخلي فننتج أعمالاً فنية أو أدبية مختلفة الأجناس. أعود وأقول إن ذلك الاتصال أخرجني من حالتي التي كنت فيها أعيش مع عملي في حالة فنية نفسية تعبيرية فسبب ذلك انقطاع تلك الحالة فخرجت منها وهذه الحالة عادة ما تصيب الفنان الذي يكون في حالة متماهيًا مع عمله الفني أو الأدبي ومن الصوبة العودة إليها مرة أخرى إلا بعد حين ولن يكون ذلك بمقدور الفنان إلا إذا حاول إعادة التأمل والجلوس أمام عمله قارئًا ومفكرًا ومتأملاً وقد تطول تلك الفترة وقد تقصر وتلك لها عدة عوامل منها: أن يعيد الخلوة بمنجزه ومحاولة عدم الانشغال وتهيئة النفس والأدوات الكفيلة بإتمام الحالة التعبيري التي بدأها بذات الإحساس إن كان لونًا أو مفردات وأشكال ودلالات تتم له الفكرة التي بدأها في حالته التعبيرية والنفسية ولن تكون متاحة له ما لم يحاول الغلب على ما سببته حالة الانقطاع التي أفقدته بوصلة الاتجاه الصحيح لمساره و محطة الوصول المرادة. كل تلك الأحاسيس حدثت معي وتحدث مراراً منذ أن بدأت أتخذ أسلوبًا واتجاهًا لأعمالي الفنية التي تندرج تحت (الحروفية العربية) - الله أكبر- ولكن في هذا العمل بالذات الذي يندرج تحت أسلوبي (الحروفية العربية) -الله أكبر- حيث عُرفت من خلاله وأقمت ثلاثة معارض هي 13-14-15 لكن هذا العمل قصته غريبة بدأت منذ ذلك الاتصال غير السار فأصبحت لا أستطيع أن أقترب من إكمال تصميم العمل في بداية الأمر وإن كنت كلما زاد الوقت والبعاد عنها أحسست بشيء يدعوني للاقتراب وكأنه صوت يهمس في أذني وأحاول الصدود والتجاهل لكيلا أسمعه فأهرب إلى عمل آخر وضعته بجانبه ولكني أحاول جاهدًا في ما وقعت فيه سابقًا فأقفل الهاتف حتى لا يحدث مثل ما حدث سابقًا فأنهي العمل فإن لم أستطع في نفس اليوم أضل حامله ما في رأسي حتى أنجزه وصارت هذه طريقتي مع أعمالي الفنية، ومع أنني لم أنفك من مطاردتي من ذلك العمل الشاخص أمامي كلما هممت بالعمل فيه أجد صدودًا فأهرب منه لعمل آخر جديد هكذا، حتى شاء الله سبحانه وتعالى أن يحدث ما لم يكن بالحسبان. أذن الله بأن ينتهي الحمل وتحدث الولادة لهذا العمل العصي والذي مكثت أحمله في رأسي خمس سنوات وشهرًا فأمرني الله واستعنت به وشمرت عن ساعدي وتوكلت على الله ثم بدأت بسم الله ونظمت ألواني وأدواتي كعادتي عندما أهم بالبداية في أي عمل جديد من أعمالي الفنية، بدأت باللون الأزرق جزءًا جزء وأكثرت منه فيه تفاؤلاً لهذا اللون ولا أدري كيف امتدت يدي لتأخذ اللون الأحمر ووضعت كمية لا بأس بها منه بحثت عن اللون الأبيض ولم أجد في العلب التي أمامي إلا بعضًا منه فقلت لم لا أحضر علبة جديدة فآخذ من الأبيض كمية وافرة لأنني أنوي الفرح والبياض فيه من السلام والفرح والسعادة الشيء الكثير بقي اللون الأصفر ثالث الألوان الأساسية وجدته منزويًا خائفًا ومضطربًا وضعت يدي عليه فاطمئن وزال الخوف فأتى طائعًا فقلت أعطني من كرمك ما تجود به فسكبت منه كمية لا بأس بها ودعته ووضعته في مكانه شمرت عن ساعيه ولبست القفاز ومريلة الرسم وبدأت الرحلة الساعة العاشرة من صباح ذات يوم، بدأت في مزج الألوان حتى أحصل على ما أريده من الدرجات اللونية التي بينها شيء من الألفة والتناسق والقبول فبدأت أشبع صحراء اللوحة وبياضها أجوب بألواني ممتطيًا فرشتي في رحلتي التي إلى الميلاد أقرب في تفاؤل وعون من الله سبحانه وتعالى وجدت نفسي قد أشبعت صحراء المساحة بألوان محاولاً التوازن بين الألوان مع وضع بعض نقاط الاتزان الشكلية واللونية للعناصر، توقفت بعض الوقت فجلست على الكرسي أتأمل ما الذي أحدثته في متغيّر في دلالات رمزية وعناصر من حروف وكتابات وأهمها كلمة (الله أكبر)، وجدت نفسي أثناء تأملي أسبح في فضاء العمل بين الوان متداخلة وأخرى متماهية يبرز من خلالها بعض الحروف مشكلة نسيجًا لقطعة سجاد عربية إسلامية الزخرفة تبرز فيها كلمة الله أكبر التي أعرف بها من خلال أعمالي الفنية. نهضت فرحًا مهللاً مكبرًا مسرعًا إلى لوحتي وقفت أمامها فقلت الحمد الله أن ولدت اليوم وبعد طول حمل وانتظار فالله أكبر والحمد الله رب العالمين واليوم ميلاد جديد لعمل من أعمالي التي طال حملها واليوم أعلن ميلادها. ** **