أوضحت التشكيلية والكاتبة هدى العمر أنها تستطيع أن تسمي الاتجاهات الفنية مدارس، وأن كل اتجاه فني غربي في رأيها «ظهر لأسباب أهمها التمرد على اتجاه قبله، لأن الفنان بطبعه يعانق الابتكار ويعشق الاكتشاف والتجديد، ولكن مع الحفاظ على أسس وضعت من علماء للفنون كالنسب التشريحية لمخلوقات الله سبحانه وتعالى أو هرمونية وتنظيم الألوان إلخ... وجميعها عوامل تسهم في تهذيب العمل الفني ليرقى لمستوي المتذوق أو المشاهد». وقالت العمر في حديث ل«الحياة»: «لا مانع هنا أن تحمل لوحة فنية واحدة اتجاهات عدة أو أساليب فنية، فمثلاً دالي أحد رواد السريالية يرسم بواقعية محنكة ولكن بهذه الخلفية الواقعية في دراسته يترك العنان لخياله بأن يوظفها بمعانٍ أخرى، وكذا الحال في أعمالي التي أهرب في جزء كبير منها باستخدام أعماق البحر كعالم رمزي هو عالمي الذي من خلاله انطلق تعبيرياً عن مواضيع تلمس قضايا أو مشاعر تختلج في نفسي». وذكرت العمر أن الألوان ليست مجرد خامات، «إنها أدوات ابتكار وخلق، إلى أي حد تمثل هذه الخامات عوناً لك على التعبير واقتراح ممكنات لونية وجمالية تميزك عن سواك؟»، مشيرة إلى أن مصادر الاستلهام عديدة «منها قضايا اجتماعية أو دولية أو شخصية ومنها البيئة المحلية التي تعد مصدر استلهام ثري للتعبير، فمثلاً اشتهرت لوحتان لفان جوخ برسم غرفته الفقيرة التي يعيش بها ومقارنتها بأخرى ثرية لغرفة زميله الفنان جوجان. ولم تحتج هاتان اللوحتان لشرحهما فقد لمسنا معاناة فان جوخ من خلال رسوماته وأفكاره. وكما مر هؤلاء الرواد بمراحل استفزت خيالهم كالفنان بيكاسو في مرحلته الزرقاء التي صور بها مرحلة الحروب والكساد والفقر الذي طاول العالم حينذاك، وأخرى لمرحلته الوردية التي مثلت الإشراق والحب والأمان. فالفنان يختلف في رؤيته ربما عن الإنسان العادي، وقد أحرص في أعمالي أن تحتوي على مضمون فكري إنساني، وكما أسلفت في مرحلتي بيكاسو اللونية وهما الزرقاء والوردية فالألوان هنا هي أهم أداه تعبيرية يوظفها الفنان». وأكدت أن الفنانة التشكيلية السعودية «اخترقت حاجز الزمن بمنافسة أقرانها الذين سابقوها في المجال منذ قرون دولياً». وأشارت إلى أن ما يحدث أحياناً بين التشكيليين السعوديين من خلافات في إطار الجمعية «أمر يؤسف له ولا يخدم الصالح العام للمجال، ومن المفترض أن تتكاتف الجهود جميعها لمصلحة الحركة التشكيلية المحلية، وإن وجدت منافسة فالمنافسة لا تنقلب إلى ساحة دماء من أجل مناصب ومسميات، بل من أجل الارتقاء بالمستوى الفني وازدهار وإبراز من يستحقون الاحترام والتقدير لأعمالهم الفنية وليس لألقابهم». في ما يخص الفنانة السعودية التي تتحرك في حقل ألغام المنع والتحريم في غالب الأحيان، وكيف تتغلب على ذلك، قالت: «ليست الفنانة التشكيلية فقط، بل الفنان أيضاً ربما يعارض البعض عن تصوره لأفكار معينة. عن نفسي لم أواجه هذا الإشكال ولله الحمد، ربما وجدت عوائق منذ 30 عاماً ولكنها تلاشت الآن مع نماء الفكر والثقافة والوعي أكثر بأهمية المجال لدى مجتمعنا». وفي ما يخص الثقافة البصرية التي تكاد تغيب عن غالبية المثقفين، وأنه قد يحرم التشكيلي من فضاء يمكن لأعماله أن تزدهر فيه؟ ذكرت: «ذكرني سؤالك بمقالة لي نشرت في جريدة الرياض بتاريخ 9 نيسان (أبريل) 2017، كان عنوانه: «المثقفون والمعارض التشكيلية... لا أسمع لا أرى لا أتكلم»، مشيرة إلى أن غالبية المثقفين ذكروا أنه «لا يوجد مقر دائم لوزارة الثقافة والإعلام تقام به هذه الأنشطة التي لا يعلمون عنها، كما أن الإعلام المحلي بجميع قنواته لا يهتم بهذا المجال، وقد أؤيد ما ذكروا، فعلى سبيل المثال هناك النادي الأدبي ومن الممكن تسجيل العضوية به لأي مواطن أو مقيم وتصله المعلومة بالنشاط على هاتفه، بينما لا يوجد مثيل للفنون التشكيلية التي تحتل قمة هرم الثقافة، وسواء جمعية التشكيليين أو الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون أو حتى وكالة الشؤون الثقافية بالوزارة فجميعهم يقدم الإعلان بصفة فردية بنشاطه الخاص، بينما يفترض أن هناك مقراً أو إدارة تجمع جميع الإبداعات من تشكيليين وشعراء وأدباء ومصورين وغيرهم من شتى روافد الإبداع تحت مظلة واحدة، فهذا الكيان الإبداعي هو الوجهة الفكرية للوطن، فحري بنا أن نحتضنه وندعمه». وتمثل اللوحة بالنسبة للعمر «الصديق الصدوق لي أبوح لها بما يعتلي قلبي فتجاوبني بما يسعدني»، موضحة أن من يضع الخامة في أولوياته «ليس فناناً حقيقاً، فالفن أبعد من هذا بكثير». وقالت إن الفنان الحقيقي «لا بد أن يكون من أولويات اهتمامه بالثقافة عموماً ومن أولوياته ثقافة وقضايا مجتمعه وبيئته». وأضافت قائلة: «لعل موضة الأساليب الفنية المعاصرة واللهث وراء توظيف خامات وأفكار غريبة هي ما تهم أغلب الجيل الجديد، وأعني هنا ما تقدمه اللوحة الفنية، وهذا لا يخدم هموم المجتمع، ولكن يظل هناك فنانون من زملاء وزميلات قلة قدموا أعمالاً تخدم قضايا اجتماعية». وحول الفن المفاهيمي وما يثار حوله من سجال، قالت: «لا مانع من أن يقدم الفنان أساليب معاصرة إذا امتلك الخلفية الفنية الأصيلة، ولكن إذا كانت حيلته فقط أفكار يقدمها تنفذ فهو هنا ينتقل من حالة الفنان التشكيلي إلى المصمم، وفي الحالة الأولى هناك تجارب لها عمق، بينما الثانية تنتهي بانتهاء هذه الحركة حالها حال الحركة الدادائية». وفي ما يخص الأرقام الحالية التي تباع بها أعمال بعض الفنانين خصوصاً في المزادات العالمية، ذكرت أنه «إذا كانت هذه الأعمال تقدم في مزادات عالمية فبالتأكيد هناك مختصون لتقييمها، ويعتمد على ذكاء الفنان في تقديم نفسه، وعلاقاته الشخصية دولياً لها دور كبير لتسويق أعماله فهنيئاً له»، مشيرة إلى أن الفنانة السعودية ينقصها الدعم، «لا يوجد أي جهة تدعم الفنانة السعودية سواء التي لديها تاريخ ومشوار كفاح طويل أو من الجيل الجديد». وأوضحت في الختام أنها تمر حالياً «بحالة اختزان أفكار لمعرض شخصي ومرحلة جديدة من أفكار تضارب في عقلي، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني».