لم يزل الفن التشكيلي العربي مأخوذاً بالمدارس الفنية العالمية ورؤيتها للون والمنظور وبناء اللوحة، من دون الوصول الى خصوصية ملموسة، على رغم قرن أو يزيد من التجارب الفنية في مختلف البلدان العربية. فالعلاقة بين الابداع والمبدع أمر معقد، إذ ان القضية لها علاقة بالرؤية الشاملة للحياة، وهذه تتواشج بعمق مع تطور المجتمعات والبنى الجمالية والبصرية والفكرية للإنسان. ذلك يعطي فكرة ملخصة عن المعرض المشترك للفنانين العرب المقام في "صالة بلدنا"، إذ جاء المعرض راشحاً بالأساليب الفنية المتباينة، المنتمية الى مدارس وتقنيات ذات مرجعيات أوروبية. مشاهد المعرض يفاجأ بأن معظم الأساليب الفنية موجودة، كالانطباعية والتجريد والحروفية والواقعية، واللوحات لا تشترك في موضوع واحد أو تقنية مشتركة، وليست مندرجة تحت عنوان ما، فثمة الرسم بالزيت والحفر واللون المائي، اضافة الى وجود حقلين فنيين هما النحت والتشكيل، مع مزاوجة أحياناً بين النحت والحروفية، الأمر الذي خلق أعمالاً ذات نكهة خاصة، يصعب تصنيفها. جسد ذلك الفنان العراقي رعد الدليمي وصباح فخر الدين. دخلت الحروفية بمعناها الايحائي، وتجلى ذلك باستخدام النقطة والقوس والفضاء في مجسدات النحت، لمخاطبة لا حاسة النظر فقط، انما العقل وما يراه ويفهمه من دلالات لغوية. جاء البعد الروحي لدى رعد الدليمي ضمن جو ايماني، باستخدام الطين العراقي الحرّي والألوان الشاحبة الدالة على قدم وأوابد أثرية وزينات دينية. كانت هناك أيضاً الواقعية الانطباعية، كما في لوحات الفنان حسن عبدالفتاح الذي اعتمد على اللون بغزارة، مع أخذه للمشهد الطبيعي تيمة تشكيلية وبألوان فاقعة، ورومانسيات عدلي رزق الله، بشفافيتها وشعريتها اللونية المتدرجة بين الأصفر والأحمر، مع مشحات بيض أو سماوية وقد استخدم الألوان المائية، لرسم الوردة والشجرة والطبيعة في تنوعها بحالات حلمية وشعرية لونية ترتقي الى مصاف الموسيقى. وبالتجاور مع عدلي رزق الله، تدخل العين الى ايحاءات لها أساس طبيعي، ولها الروح ذاتها للفنانة المصرية شلبية ابراهيم، شفافية الروح ، وهي تشع من المرأة المصرية. وعلى صعيد النحت لم يظهر اختلاف كبير في الأساليب بين المشتركين، وهم مصطفى علي وأكرم وهبي وجواد كاظم، وحدهم استخدام البرونز، والفضاءات، والحركات العنيفة، وغياب الملامح في تجسيد الإنسان والحيوان، الثور والحصان والعربة. وكانت الألوان الكامدة للمعدن تؤكد المشترك والجامع بين النحاتين، وانهمامهم بمحاكاة ما هو أثري وقديم في القطعة الفنية، وكانت الفروقات الفنية ضئيلة، والأعمال عموماً أصداء لهنري مور وبيكاسو وغيرهما من النحاتين الأوروبيين، ولم تلمس وراء تشكيلات المعدن ذاك رؤية فلسفية لنحت الفراغ أو تجسيد المادة، كي تعطي المنحوتة هويتها. استوحت اللوحات التشكيلية البيئة كمادة للاشتغال، كما في لوحة مصطفى الفقي التي جسد فيها مكةالمكرمة والحج وطقوسه وروحانيته، وشلبية ابراهيم واسماعيل فتاح الترك، والشيء المميز في المعرض لوحات نذير نبعة بتعبيريتها العالية. الوجوه المحدقة بخوف، خططها بالأسود والأبيض، وكأن رعباً جماعياً يهددها ويحيط بها. الوجوه تندمج بالبيئة، بالأرض والصخور، فإذا هي طالعة من خطوطها الحادة وتعاريجها الموحية. ويلاحظ هنا ان الوجوه كثرت في المعرض، واستخدمت طاقة تعبيرية لجذب العين، اشتغل عليها نذير نبعة واسماعيل فتاح الترك ونذير اسماعيل. وجدناها أيضاً عند الفنانة ريم السلمون وهي ترسم المرأة بوضعيات وجلسات وزوايا مختلفة، تبرز من خلالها عشتار آلهة للخصب. لعبة الوجوه تلك اشارة نفسية الى ان الفنان العربي يستبطن الإنسان ويركز عليه في قراءة التعابير، ما يعطي دلالات على القلق الوجودي وقلق المحيط الذي يحاوره الفنان. يلخص المعرض إذاً، حال الفن التشكيلي العربي، وتخبط اساليبه، وصعوبة الوصول الى هوية يمكن تسميتها "اللوحة العربية"، ذات الضوء الساقط في بقعة جغرافية بعينها، وطبيعتها برموزها التشكيلية ورؤيتها للإنسان والمحيط. ولعل أحد الأسباب ربما، تأثر معظم الفنانين العرب بالمدارس التشكيلية العالمية، ومحاولة تقليدها بهذا الشكل أو ذاك، لا سيما ان مفهوم اللوحة واللون، بالمصطلح الحديث، لم يُعرف في الثقافة العربية، إلا في وقت متأخر، وقد درست غالبية الفنانين العرب في أوروبا، في ايطاليا وفرنسا والمانيا على وجه التحديد، وقدمت لهم حركاتها التشكيلية نموذجاً جاهزاً لاتباعه أو التأثر به، بل وتبنى قسم منهم الحساسية الجمالية ذاتها مع انها نتاج بيئة أخرى وتطور بصري ومعرفي آخر. كما يلاحظ في المعرض غياب فن الرقش والنمنمة العربية، وتلك من الفنون الأصيلة في ثقافتنا. حضرت بدلاً منها الحروفية في شكلها الخطي، وهو ما شاهدناه عند رعد الدليمي، في النحت، وعند علي العبادي في التشكيل.