سمعت بالأستاذ خالد بن عقلا الحميد بالجوف منذ مدة طويلة، وحرصت على لقائه في زياراتي المتباعدة لها، إذ كان مهتمًا بالثقافة وممتهنًا للعمل الصحفي، إذ يُعَدُّ أول صحفي في المنطقة، علاوة على افتتاحه مكتبة تجارية في مدينة سكاكا يجلب لها بعض الصحف والمجلات المحلية والخليجية والعربية ومختلف أنواع الكتب، فيتلقفها الشباب المتعطش للقراءة. وكان حريصاً على إيصال أخبار الجوف ورفع مطالبها التنموية. سألت عنه عند زيارتي الثانية للجوف عام 1401ه لحضور الأسبوع الثقافي الذي كان ينظمه سنوياً مكتب رعاية الشباب بالجوف لشباب أنديتها. فعرفت أنه في مهمة خارج المنطقة وتعرفت بالدكتور عارف مفضي المسعر مدير عام التعليم وغيره. وقبل أربع سنوات دعيت من مركز عبدالرحمن السديري الثقافي بالجوف لإلقاء محاضرة ضمن موسمها الثقافي، فتعرفت على عدد من رجالها ومسؤوليها المتقاعدين مثل: معاشي ذوقان وخليفة المسعر، وفلحي العايد، وإبراهيم السطام وغيرهم فسألت عن أبو عبد الواحد فعرفت أنه في حالة صحية تستدعي وجوده في أحد مستشفيات العاصمة. فلم أتمكن من لقائه. وكانت علاقتي بابنه معالي الدكتور عبد الواحد قد توثقت من خلال المتلقيات الثقافية، ولما يكتبه في الصحافة، وبعد أن أهدى لي كتابه (سنوات الجوف.. ذكريات جيل) قبل سنتين وقرأته باستمتاع وعرفت والده أكثر مما سمعت عنه من خصال ومزايا وسمو أخلاق تتجلى في أسلوبه التربوي وكفاحه وحبه للثقافة ونشر العلم، وتركه حرية اختيار أولاده - بنين وبنات - مستقبلهم العلمي والعملي وحتى اختيار من يشاركهم حياتهم، دون تدخل منه، ازداد إعجابي به فأبديت رغبتي وحرصي على لقائه، ولكن ابنه اعتذر لصعوبة وضعه الصحي. ومرت الأيام وسريعاً ما نعاه الناعي - رحمه الله - قلت إنني قد استمتعت وأنا أتتبع خطوات عبد الواحد الأولى مع والده إلى الرياض لمراجعة طبيب العيون واستخدام نظارة طبية. ووصف الرياض وسماها أم الدنيا وأبوها، ووصف عالمها السحري، وأكلهم بالمقهى، واقتناءه بعض المجلات المصرية واللبنانية، وذلك عام 1386ه - 1966م. وقال عن والده وتردده على الرياض لإنجاز بعض المعاملات عندما كان يعمل في الشرطة، أو الإمارة، أو إدارة التعليم، وعن تعبه وحرصه على ألا تفوته الطائرة في رحلتها الوحيدة في الأسبوع للجوف، ولكونه شاعراً شعبياً فقد وصف معاناته قائلاً: قال عن والده إنه بدأ التعليم في الكُتاَّب بمبادئ القراءة والكتابة وعلوم القرآن لدى الشيخ مصلح المريح في حي (اللقائط)، ثم الشيخ فيصل المبارك قاضي الجوفبسكاكا، ثم المدرسة التي كان يديرها الأستاذ أحمد عبد الماجد. وقال إنه درس في أول مدرسة نظامية ابتدائية تفتح بالجوف عام 1362ه - 1943م ثم توظف في الحكومة بعد تخرجه، وكان الحصول على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في ذلك الزمان يُعَدُّ إنجازاً كبيراً. وقال إن والده قد شجع أخته منيرة التي تكبره بالدخول معه بمدرسة الأبناء، وكانت تجلس تتعلم إلى جواره، ولمدة محدودة حتى افتتاح مدرسة للبنات. وذكر أنه قد تعلم من والده حب القراءة وتعلقه بالصحافة، إذ إنه من صغره عرف أن والده يراسل الصحف ويكتب عن الجوف. وقال إن مكتبة والده الغنية بالكتب والصحف قد عوضته عما تفتقده المدرسة أو المدينة بشكل عام. وأن والده بدأ بمراسلة الصحف مثل اليمامة والقصيم ومجلة المنهل، وأنه قد سافر للرياض وقابل الشيخ عبدالله بن خميس صاحب مجلة الجزيرة التي كانت تصدر شهرياً في نهاية عام 1379 إلى منتصف عام 1383ه فاعتمد مندوبًا للمجلة ثم للصحيفة فيما بعد بالجوف، واستمر مديراً لمكتب الجزيرة حتى عام 1423ه، 2002م وعلى مدى 38 عاماً. وقد أقيم له احتفال تكريم بمؤسسة الجزيرة الصحفية بالرياض في 12-4-1423ه الموافق 23 يوليو 2002م بمناسبة تقاعده بحضور رئيس التحرير خالد المالك ومدير عام المؤسسة عبدالرحمن الراشد. وقد ألقى قصيدة بالمناسبة نختار منها: وقال ابنه الدكتور عبدالواحد إن والده خشي عليه أن تتأثر دراسته عندما نشر أول موضوع له في الصحافة (صدى) قصة قصيرة في صحيفة الجزيرة في 2-7-1388ه - 24-10-1968م، فلم يبد حماسة، وذلك خوفاً عليه من الوقوع في المحاذير الرقابية وقد تؤذيه وتعرقل دراسته. وقد كان خالد الحميد محباً للعمل الاجتماعي التطوعي وبالذات مجال الخدمة العامة لمنطقته، فإلى جانب عمله الرسمي والصحفي فقد شارك عضواً عاملاً في الجمعيات التالية: - عضو النادي الأدبي بالجوف منذ تأسيسه. - عضو جمعية البر الخيرية بالجوف. - عضو الجمعية التعاونية متعددة الأغراض. - عضو الغرفة التجارية الصناعية. - عضو لجنة أصدقاء الصحة. عندما خصصت المجلة العربية عددها (502) لشهر ذو القعدة 1439ه الموافق أغسطس 2018م ملف (الجوف.. قوافل الحضارة والتاريخ) اختارت ثلاث شخصيات من المنطقة وترجمت لهم وقدمتهم تحت عنوان: (جوفيون بررة.. المسعر والأفنس والحميد). قالت عن الأستاذ خالد الحميد: كذلك الأستاذ خالد الحميد الصحفي.. وقد عمل في الصحافة لمدة 38 عاماً مراسلاً لصحيفة الجزيرة ثم مديراً لمكتبها في منطقة الجوف. وقد كان أول صحفي وأول مدير مكتب لمؤسسة صحفية في المنطقة وهي مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وظل مخلصاً لمنطقته وصحيفته طيلة تلك المدة، فلم يعمل في أي صحيفة أخرى ولم يكتب مادة صحفية إلا عن منطقة الجوف. وكان يؤمن بأهمية ورسالة الصحافة وبالأثر التنموي التنويري الذي تمارسه الصحافة وبخاصة في المجتمعات النامية كأداة لإيصال (المعلومة) الدقيقة ونشرها بين الناس وكصوت للمواطن يعبر من خلالها عن همومه وتطلعاته ومطالبه وكمنبر لبث الوعي والارتقاء بالمجتمع. وقد كان المجتمع في منطقة الجوف بأمس الحاجة آنذاك لمثل تلك الأداة التواصلية في زمن لم تكن التغطية التلفزيونية قد وصلت إلى المنطقة ولم تكن الإنترنت قد ظهرت إلى الوجود بما تحمله معها من مواقع للتواصل الاجتماعي وصحف إلكترونية وروابط لكل صحف العالم ومراكز البحوث والمؤسسات ذات الطابع الإعلامي وغير الإعلامي وأجهزة حكومية وأهلية. يقول الأستاذ خالد الحميد إن الصحف التي كانت تصل إلى منطقة الجوف في ذلك الزمن البعيد قليلة، وكانت تصل متأخرة، وفي الغالب كانت تصل فقط إلى الإدارات الحكومية وبعض المشتركين. وقد لاحظ أن تلك الصحف تخلو من أخبار منطقة الجوف ولا تنشر أي تغطيات صحفية عن القضايا التنموية للمنطقة أو مطالب الناس وشكاويهم. وذات مرة، في عقد الستينات من القرن الميلادي الماضي وتحديداً عام 1962، كان الحميد في رحلة إلى الرياض فقام بزيارة الأستاذ عبدالله بن خميس الذي كان رئيساً لتحرير الجزيرة عندما كانت مجلة شهرية وتبادل معه الحديث عن قضايا الصحافة وتم الاتفاق بينهما على أن يبدأ الأستاذ خالد الحميد في مراسلة الجزيرة كمندوب لها بالجوف، وهكذا انطلقت تجربته الصحفية التي استمرت نحو أربعة عقود. وتُوفي - رحمه الله - فجر السبت 3 ذو القعدة 1440ه الموافق 6 يوليو 2019م عن عمر ناهز التسعين عامًا. وقد رثاه كثير وكتب عنه في الصحف والمواقع، وفي مقدمة من عزوا فيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، وسمو وزير الداخلية، كما حضر سمو أمير المنطقة وسمو نائبه وجمع من أصحاب المعالي والسعادة معزين ذوي الفقيد وداعين له بالرحمة والمغفرة. - وكتب عنه بصحيفة الجزيرة في اليوم التالي لوفاته تحت عنوان (الجوف تودع خالد الحميد أول صحفي بالمنطقة)، وبعد استعراضها لسيرته، وما تركه من أثر استشهدت بقصيدة له يمدح بها الجوف ومنها: