تحظى السياسة السعودية في السنوات الأخيرة بتقدير وإشادة من المجتمع الدولي وهو ما لم تحظ به دولة في التاريخ الممتد منذ معاهدة ويستفاليا التي وقعت في مونستر بألمانيا عام 1648م وحتى الآن، الدول تصنع حاضرها ومستقبلها بالعمل الجاد، والرؤى الصادقة، والإستراتيجيات والخطط الهادفة، والطموح الذي يعتمد على سواعد الشباب، وحكمة وحنكة الكبار، هذا الذي أراه في المملكة العربية السعودية التي تجدد حيويتها، وتضخ في شرايين أبنائها كل يوم قيما راسخة من الولاء والعطاء تتجسد في الأفعال لا الأقوال، تشعر بأثرها في قلوب متلهفة، وعيون دامعة وهي تحط في مطارات المملكة التي استقبلت بالأمس آلاف من المواطنين كانوا عالقين في الخارج لظروف فرضتها جائحة كورونا، هذه الظروف التي افقدت العالم، كل العالم القدرة على الحركة والتصرف، لم تمنع الملك سلمان من أن يمد أياديه لمواطنيه حول العالم ويعيدهم إلى أرض المملكة وهم ينعمون بالراحة والرفاه والأمان والحنان والود، صورة جميلة تجسَّدت في استقبال حافل من المسؤولين السعوديين لمواطنيهم ستحفل بها كتب التاريخ، وسيصدرها العالم كنموذج تفردت به الدولة السعودية وسط عالم انكفأ (وهو معذور) على دواخله يكافح وباء فيروس كورونا الذي تفشى وانتشر في كل دول العالم، جائحة لم يسلم منها جنس أو عرق أو لون، المملكة تدير أزمة كورونا باقتدار وانضباط وشفافية ونجاح يعد نموذجًا، نجاحات كثيرة حققتها المملكة في مختلف الملفات، مثل أوبك، إدارة الصراع ضد الميليشيات الحوثية في اليمن، مجموعة العشرين، رؤية المملكة 2030 ملف التنوير والتحديث، عديدة هي الملفات التي أحرزت فيها القيادة السعودية نجاحات كبيرة في الوقت الذي تعصف الأزمات بدول كثيرة في مختلف أنحاء العالم، يعود الفضل في ذلك إلى المزيج الذي يجمع بين حكمة الملك سلمان صاحب أطول خبرات إدارية وسياسية في التاريخ المعاصر، وبين طموح ولي العهد الشاب المدجج بالإرادة والتحدي، المسلح بالمعرفة، الخبير بتقنيات العصر وعلومه وأولوياته، القادر على مواجهة تحدياته. إن التحول الكبير الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمستقبل المملكة أسهم في أن تحتل المملكة مكانتها إقليميًا ودوليًا وأن تنجح في التعزيز من دورها المستقبلي على خريطة السياسة الدولية، لا ينكر أحد إلا حاقد أو كاره أو أعمى أن المملكة تلعب دورًا مهمًا ورياديًا في عالم اليوم، ليس بسبب أنها أكبر منتج للنفط في العالم كما يدعي أعداؤها، هذا مردود عليه بأن النفط لم يظهر اليوم، أو الأمس القريب، فالمملكة ترسم سياسة العالم البترولية منذ زمن طويل يتجاوز النصف قرن ويزيد، وليس لأن بها قبلة المسلمين ومقدساتهم، فهي تحتضنها وترعاها منذ أكثر من 14 قرنًا، لا شك أن روحًا جديدة سرت في عروق وشرايين مجتمع أغلبية مواطنيه من الشباب الذين استلهموا روح التحدي، والصلابة والإرادة من ولي العهد الشاب الذي يقود قطار التنمية، ويسرع به في أكثر من اتجاه بوعي وثقة وتؤدة في آن واحد، مبلغ علمي أنه ليس بمقدور أحد أن يتحكم في بوصلة الاتجاه إلا إذا كان يمتلك قدرات خاصة، ولن أتجاوز إذا قلت خارقة مثل الذي يتمتع بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي استطاع أن يدير كافة الأزمات، ويواجه كل الصعاب وهي كثيرة بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين، يا الله من أين أتت له كل هذه القوة والقدرة، ففي بضع سنوات قليلة واجه أزمات كانت كفيلة بالقضاء على إمبراطوريات، والعصف بدول كبرى، لكنه خرج منها ونجح في تجاوزها جميعًا، وصنع من المملكة إمبراطورية ليس بمقدور أحد تجاهلها، وجعل من العاصمة الرياض محط أنظار العالم، ففيها تعقد اجتماعات مجموعة العشرين، وبها ترسم السياسات النفطية حول العالم، وبها يتحلق كبار قادة العالم، رؤساء أمريكا والصين وروسيا وفرنسا وغيرهم حول الملك سلمان وولي عهده، أنبئوني من تجرأ وقال لا لكل من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وروسيا، ومن قبلهما كندا وغيرهم إلا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي حفظ وهو في السادسة من عمره (كما قيل لي) قصيدة «المجد لمن قال لا» للشاعر المصري أمل دنقل، وهذا ليس بغريب، فالملك سلمان مثقف من طراز استثنائي يعرف ذلك القاصي والداني، ربى أبناءه على حب التعلم، وعشق الأدب، والوله بالعلوم، وزرع فيهم العصامية على خلاف كل الطبقة الحاكمة في الخليج. التحولات الكبرى تصنعها الزعامات، والتحديات الضخمة تحتاج لمواجهتها إرادات، يقينًا أن القيادة السعودية الحالية لا تمتلك إرادة واحدة فحسب، بل تمتلك حزمة إرادات فولاذية جعلتها قادرة على صناعة التحول وبناء المجد، حالة من الإدراك لدى صانع السياسة في المملكة أن العبور من الدولة ذات التأثير الإقليمي إلى الدولة صانعة السياسة الدولية أمر مكلف لا تتحمله الشعوب التي تجني في العادة ثمرات الرخاء، فيما يتحمل أعباءه صانع السياسة وحده.