يُقاس تقدم الأمم بالعلم، ويقاس العلم بالنهضة، وتقاس النهضة بالوعي الكافئ للفرد، فكيف سننهض ومقاييسنا تفتقر للدقة! عندما تكون عاداتنا وباء وسعادتنا ضرر.. فأي لقاح سيكافح هذا الداء؟ عندما تتضارب مقاييسنا الشخصية مع متطلبات حياتنا الأساسية يحدث الخلل ونبدأ بالتراجع كمركبة فقدت السيطرة عند منعطف منحدِر لن تتوقف عن الانحدار إلا بعد الاصطدام.. فكيف سيكون هذا الاصطدام وكيف سيكون مصيرنا بعده؟ قائمة أولوياتنا ورغباتنا تحتاج لإعادة ترتيب لتتوافق مع متطلبات حياتنا الصحية التي حتماً ستنعكس على نمو محيطنا، فالعافية من أثمن ما نملك ولكننا نرخصها بأسلوب تعامل فض لا يليق بقيمة هذه النعمة. الإنسان، ذلك الكائن الذي خصه الله ضمن مخلوقاته بالعقل وجعله خليفة في الأرض لإعمارها فكيف له أن يعمرها دون قوة؟.. ومن أين ستأتي القوة إن لم تكن صحتنا ضمن أولياتنا في الحياة؟. حرص الدين الإسلامي على الاهتمام بالصحة التي من شأنها أن تغير مسار حياتنا كلياً، ووردت في أكثر من موضع وأكثر من لفظ لتعزز مكانة الصحة وأهميتها في الإسلام لبناء المجتمع، حتى كانت أحد مقاييس اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } *سورة القصص، فالقوة مقياس للصحة. وجاءت رؤية 2030 لتعزز مكانة الاهتمام بالصحة ومدى أثرها وانعكاسها لبناء المجتمع وتعزيز الحياة الصحية والنفسية والاجتماعية، فللرؤية ثلاث ركائز أحدها مجتمع حيوي والحيوية لا يمكن تحقيقها إلا ببنية إنسان صحي. ومن أهم أهداف رؤية 2030 السعي إلى رفع متوسط أعمار السعوديين من 74 إلى 80 عاماً وذلك لن يحدث دون وعي صحي وتسليط الضوء على عاداتنا اليومية والتي من ضمنها ارتفاع نسبة ممارسي الرياضة مرة على الأقل أسبوعياً من 13 % حتى 40 %، مما دفع وزارة الصحة لأن تطلق حملة (امش 30) أي 30 دقيقة وهي ما تعادل 8000 خطوة يومياً، وعززت ذلك بتطبيق لحساب عدد الخطوات للتحفيز على المشي وإنقاذ حياة أشخاص يكمن علاجهم فقط بالحركة، فنجاح هدف متوسط العمر يعتمد على نجاحنا في إعداد خطة صحية محكمة نعيشها ونعتمدها كأسلوب حياة يومي. وجاء أيضاً ضمن أهداف رؤية 2030 تصنيف ثلاث مدن سعودية بين أفضل 100 مدينة في العالم وكان أحد جوانب الاهتمام بذلك والسعي لأن تكون مدن نموذجية عمل مسارات للدراجات والمشي، وهذا الاهتمام يجعلنا نعود لنقطة البداية حيث تشكل الصحة أهمية بالغة حتى في تقدمنا. نبحث عن السعادة في سيارة فارهة، وحقيبة باهظة الثمن، ووجبة شهية في أجواء مترفة، وننسى أن السعادة الحقيقية في صحتنا وعافيتنا وأجسادنا، فالسعادة قد يمتلكها فقير ويتمناها ثري، فالصحة نعمة لا يمكن الحصول عليها دون الإلمام بالوعي الكافي لكيفية الاعتناء بها والحفاظ عليها. صحتك تحتاج منك وقفة جادة في تأمل أسلوب حياتك، في مراقبة ماذا تأكل؟ ماذا تقرأ؟ ماذا تتابع؟ وهل أعطيت وقت كاف لجسدك؟ ما مدى وعيك وثقافتك الصحية؟ وهل لديك النضج الكاف للتعامل مع جسدك؟ علامات استفهام كثيرة في حياتك يهمها الجواب. أن تنهض بنفسك وصحتك ومستقبلك وبالتالي مجتمعك هو حتماً خيارك ولا علاقة لأحد به، فإما أن تستجيب لساعة المنبه البيولوجية برنينها المُلِح المتواصل وتستيقظ لتبدأ حياة صحية سليمة أو تضغظ على زر المنبه ليكف عن إزعاجك وتكمل سباتك العميق. إنه خيارك، فاختر ما يليق بمستقبلك واختر كيف تريد أن تكون. ... ... ... المراجع: - موقع وزارة الصحة - موقع رؤية ** **