حذَّرت القاصة والناقدة الدكتورة عائشة الحكمي، مما تشهده كتابة «السيرة الذاتية» من استسهال في تدوينها، الذي أعادته الحكمي، إلى غياب الوعي بفنيات سرد السيرة، التي من شأنها أن تحقق الاشتراطات الفنية لكتابة السيرة الذاتية، قائلة خلال حديثها ل«المجلة الثقافية»: إذا كنا نتحدث عن السيرة الذاتية، فلا بد أننا نعي بأنها فن، وفن أدبي، له العديد من الاشتراطات الفنية التي من شأنها أن تحقق للسيرة نجحاً موضوعياً، بوصفها الواقعي، وما تتضمنه من حقائق، إلى جانب الصدق والموثوقية فيما تتضمنه، إلى جانب ما تبنى عليه سردها من فنيات أدبي من المتخيل السردي، الذي يلفت إليه لب القارئ، ويصنع دهشة لدى متلقي هذا الفن الأدبي. أما عن أحد النماذج السيرية، التي يمكن أن نتخذ منها مثالاً لإحدى السير التي تحقق فيها الكثير من الاشتراطات الفنية في سرد السيرة، قالت د. عائشة: لعلي أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر رواية الأديب عزيز ضياء، التي ألفها بعنوان: «حياتي مع الجوع والحب والحرب»، التي يجد القارئ أنه من خلالها يقرأ عملاً سردياً أدبياً، بكل ما تعنيه اشتراطات العمل الأدبي الإبداعي، لذلك فإن السيرة ليست مجرد رصد تاريخي، كما أنها أيضاً سرد «إبداعي»، لذلك فليس من السهل تحقق هذا الوصف بجودة أدبية عالية، وسمات إبداعية يقوم عليها هذا الفن. وفي تعليق د. الحكمي، عن مدى نجاح كتابة السيرة الذاتية من قبل مؤلفيها، الذين دونها في حياتهم، مقارنة بتدوين سيرهم بعد رحيلهم، قالت د. عائشة: المسألة هنا لا تتعلّق بمجرد من دونوا سيرهم في حياتهم، فهناك سير دونها أصحابها بأنفسهم، لكنها خرجت بلغة تقريرية، ومباشرة، ورصد لوقائع وأحداث بأساليب عادية، بل وسطحية أيضاً، بينما نجد في مقابل ذلك سير كتب لها النجاح والحضور بين أيدي القراء والباحثين في هذا الفن، لأنها نجحت في جانبها الفني الأدبي الإبداعي، الذي جعل منها مقطوعات إبداعية تتكامل وتتناغم في سردية متنوعة الجماليات متدفقة في عناصرها البنائية في الزمان والمكان، والشخوص، والبيئة الاجتماعية، ما جعلها مشوقة وماتعة لعامة القراء قبل خاصة المهتمين بالسير الذاتية. كما وصفت د. عائشة، في حديثها عن هذه الظاهرة، في سياق ما يمكن وصفه ب«مزالق» كتابة السرية الذاتية، بأن عدم الوعي بكتابة السيرة الذاتية، بطبيعتها الأدبية، وسماتها الإبداعية، منطلق المزالق التي يتفرع منها العديد من جوانب القصور التي تعلق بكتابة السيرة، مشيرة إلى أن البعض ممن نشروا سيراً ذاتية تعكس لنا فكرة أنها مجرد جمع لمذكرات يومية، أو يوميات من الذاكرة إلى الكتابة، بينما تعكس أخرى أن رؤية كتابها كانت مجرد الرصد لتوثيق محطات من حياتهم، إلى جانب ما قد يقع فيه آخرون من الدفع بمسودات سيرهم إلى من يحررها ما جعلها رصداً مباشراً، لا روح فيه، ولا أبسط أبجديات الكتابة الأدبية. وبينما ينادي بعض النقاد المعاصرين ب«المحرر الفني»، ضمن الدور الذي يجب أن تنهض به دور النشر، ارتقاء بالذائقة، وخدمة للفنون (الإبداعية)، ارتقاء بما يقدم إلى دور النشر من محاولات (تجريب) الكتابة الأدبية، خصوصاً لأصحاب التجارب (الأولى)، أو من أصحاب الاختصاصات (العلمية)، الذين يفتقرون إلى الصياغة الإبداعية، للخروج من «مزالق» كتابة السيرة الذاتية، قالت الحكمي: هذه المفارقات تذكّرنا بأرباب «الطبع» وأصحاب «الصنعة»، وبما أننا نتحدث عن سيرة «ذاتية»، ففي رأيي أنها متى ما فقدت مداد صاحبها، ستفقد الكثير من فنياتها، على المستوى المحكي، والتعبيري الأدبي، والفني الإبداعي، لتصبح سيرة كما تصورها غير صاحبها، لذلك فلست مع أصحاب هذه الرؤية على مستوى الفنون الإبداعية عامة، حتى لأصحاب التجارب الأولى، وبالتأكيد أنني هنا لا أقصد التدقيق الإملائي، أو التصحيح النحوي على سبيل المثال، لذلك فلن يكتب السير الذاتية بمفهومها الأدبي واشتراطاتها الإبداعية إلا أصحابها. وختمت د. عائشة الحكمي، حديثه ل«المجلة الثقافية»، في سياق الحديث عن السيرة الذاتية، بوصفها «المرجعي»، الذي يرفد الباحثين والدارسين، والمؤرِّخين - أيضاً - قائلة: السيرة الذاتية تتكئ في جميع تفاصيلها على الواقع، بوصفه مضموناً، لذا فإن الموثوقية والدقة والواقعية والحيادية والموضوعية هي ما يرفد السيرة الذاتية لتكون مصدراً يرفد التاريخ الإنساني، ويمد المجتمعات أحياناً بما لم يدونه تاريخ أي أمة من الأمم، مشيرة إلى السيرة الذاتية خلال الخمس السنوات الأخيرة، على المستوى «الأكاديمي» تشهد إقبالاً من قبل الباحثين والدارسين، على مستوى مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وعلى مستوى البحوث العلمية الأكاديمية.