انتهت إجازة المدارس وعاد ملايين الطلبة والطالبات إلى مقاعد الدراسة في طقس صقيعي البرودة وأجواء إقليمية متوترة. وقد سعدت بخبر اعتماد وتوفير باصات للنقل المدرسي ما سيوفر للطلبة راحة التكييف والأمان، ويخفف الضغوط على أولياء الأمور فيما يتعلق بتأمين وصول أبنائهم وبناتهم إلى مدارسهم بانتظام مضمون وحماية مسؤولة. ولكن ما يجري خارج فصول المدارس ليس أهم جانب في العملية التعليمية على المدى الطويل، بل الأهم ما يتعلق بتعلم الطلبة والطالبات وتأهلهم لمواكبة المستقبل الكوني اقتصاديًا وتقنيًا، فمع رؤية التحول الشامل وما حملته من أوضاع الاستقرار الأمني والمجتمعي والحراك الثقافي التي نعيشها في أرجاء الوطن، يبدو الأهم «التطور» الذي بدأنا نراه في تفاصيل المناهج وأساليب الدراسة، وما يوفر من فرص لبناء قدرات الطلبة مواكبة لبرنامج التحول ورؤية 2030. كمثال على ذلك أتوقف عند تصريح الناطق الرسمي لوزارة التعليم د. ابتسام الشهري في تويتر: «تبدأ وزارة التعليم مع بداية الفصل الثاني بتدريس اللغة الصينية في 8 مدارس للبنين بالمرحلة الثانوية للمقررات، 4 منها في الرياض، و2 في جدة، و2 بالمنطقة الشرقية، وستكون مادة اختيارية للتسجيل، وتمثّل المرحلة الأولى من خطة الوزارة لتدريس اللغة الصينية على نطاق أوسع يشمل الطالبات». هنا نرى التخطيط على المدى الأبعد الذي يأخذ في الحسبان أن مؤشرات المستقبل تشير إلى أن التعاملات الصناعية والاقتصادية في تغير متصاعد مع تحول المملكة من دولة ريعية أبوية تعتمد على استخراج وتصدير الوقود الأحفوري إلى اعتماد نشاط استثماري شامل وبناء علاقات اقتصادية ثنائية قوية تتعدى دول أوروبا وأمريكا إلى آسيا؛ وأن مراكز التبادل التجاري بين الشرق الأوسط وآسيا، وبشكل خاص بين المملكة والصين، تتطلب أن يكون بين خريجي مدارسنا وجامعاتنا من يتقنون لغتها. ولندع القدرة اللغوية جانبًا ونتأمل صميم العملية التثقيفية؛ ربما أهم ما يجب أن تركز عليه السياسة التعليمية هو إشراك الطالب في التعلم ليكون متفاعلاً وليس متلقيًا فقط، وذلك بتشجيع التفكير الفردي والابتكار والإضافة؛ أي الخروج من أسلوب التلقين والحفظ الببغائي إلى بناء المهارات كالبحث عن المعلومات المتعلقة والتحليل والمقارنة والتصنيف والملاحظة والاستنتاج وبالتالي الوصول إلى قدرة الإضافة والابتكار والتصميم. ثقافة الابتكار تعني تعدي مجرد الإحاطة بالتقنيات الجديدة إلى إضافة مستجد يثري المعلومات المتاحة. وتكون الإضافة عبر الابتكار والاختراع هي الثقافة الحيوية السائدة كمنهج تفكير وطريقة حياة لننشئ جيلاً يفكر خارج صندوق المتاح. وثقافة الإضافة تشمل القائمين على عملية التعليم، ولذلك فإن نجاح التطوير يبدأ بتطوير نظرة المعلم إلى دوره ومسؤوليته وتغييرها من ناقل للحقائق النهائية إلى مشارك في اكتشاف المعلومة المتجددة والعمل مع طلبته للوصول إليها. وكمتخصصة في الإدارة التربوية والتخطيط البعيد المدى للتنمية الشاملة أتابع منذ تخرجت جهود وتفاوت نجاح مسؤولي التعليم في محاولات التطوير من التنظير المحلق إلى التشبث بالتحجر، ولاحظت على مدى عقود الانحراف عن الهدف الأساسي، والتدهور الذي أضعف ناتج المؤسسة التعليمية، ثم الاستماتة في مقاومة التطوير ومواكبة الحاضر الكوني. هنا أدعو للوزير المسؤول والفريق العامل معه بالتوفيق. وأنصح بأن تكون الجهود مشتركة بالتعاون مع الوزارات الأخرى وأولياء الأمور والخبراء التربويين وصانع القرار لكي نصل إلى تحول المناهج الراكدة إلى مناهج متجددة ذات فائدة، وننجح في إنتاج جيل قادر على تسلّم دفَّة القيادة وعينه على الريادة المستقبلية والصدارة الكونية علميًا واقتصاديًا.