معرفتي بصاحب السمو الملكي الأمير بندر بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - غفر الله له - منذُ زمنٍ بعيد, إذ كنتُ حريصًا على أن أحضر مجلسه, سواءٌ في مدينة الرياض أو في المدينتين المحبوبتين له, مكةالمكرمة والمدينة المنورة, حيث إن مجلسَه مجلس علمٍ وأدبٍ, فلا يخرجُ جلساؤه إلا بحكمةٍ أو موعظةٍ أو قصةٍ ذاتِ مدلولٍ أو درسٍ تربوي بليغ.. يبدأُ مجلسهُ بآيات من الذكرِ الحكيم أو بحديثٍ نبوي شريف, يعقبُ ذلكَ تفسيرٌ للآية أو شرحٌ للحديث, يخلو مجلسُه - رحمة الله عليه - من لغوِ الحديث أو الكلامِ في أمور دنيوية أو أحاديث جانبية, يديرُ الحديثَ - رحمة الله عليه - بأسلوبٍ فريد, ينقلُ النقاش من شخصٍ لآخر بأسلوبٍ متفرّد, لهُ منهجه الخاص في إسداءِ الموعظة أو إسداء النصيحة أو التوجيه, يتقبلها الشخص بصدرٍ رحب. يستشعرُ مرتادو مجلسِ - المغفور له بإذن الله - آدابَ المجلس ووصايا رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فيجلسُ زائرُه حيثُ انتهى به المجلس, لا يحبُ مقاطعة الحديث, ولا يقاطع المتحدِّث, يحسنُ الاستماع ويجيدُ الحوار الهادئ البنّاء, يتّصفُ - رحمة اللهِ عليه - بالحلم والأناة والصمت. للأمير - المغفور له إن شاء الله - مدرستهُ الخاصة ومنهجهُ في تربية الأبناء؛ إذ رزقهُ الله أبناءَ وأحفاد أدباءَ بررة, يتواجدونَ في مجلسه, لا يغيبُ أحد منهم إلا لعذر, يقفون أمامه وكأن على رؤوسهم الطير, يعرفونَ ماذا يريد, يترجمون إشارةَ عينيه وشفتيه.. فلقد أصلح اللهُ بنيه, إذ صلاحُ الآباء يدركُ الأبناء كما جاء في الأثر, فلقد كان - رحمه الله - ورعًا محبًا للخير وفعله. توفي رحمة الله عليه وتقبَّله القبول الحسن وهو راضٍ مرضيٌ عنه, صُلّيَ عليه في المسجد الحرام الذي أحبَّه وتمسك به، واعتكف فيه سنين طويلة وصام أشهرَ رمضان بين جنباته, يتلو آيات ربه, فاتحًا بابه لمحبيه ومريديه وأصحاب الحاجات, سفرته في رمضان ممدودة طوال أشهره, دُفن في مكةالمكرمة, البقعة التي أحبها وأقام ليلها وأحيا نهارها, وووريَ جثمانه الطاهر النقي وإخوانه وأولاده ومحبوه حوله يدعون له بالمغفرة والرضوان, مناجينَ ربهم اللطيف الخبير به أن يرحمه ويغسله بالماء والثلج والبرد, وأن ينقيه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس. نسألُ اللهَ تعالى أن يجمعنا به في دار كرامته, دار الدوام والبقاء كما جمعنا به في دار الدنيا الفانية التي زهد فيها ورغب ما عند الله, غفر الله له وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة, وجبر الله عزاءَ إخوانه وأبنائه ومحبيه, وإنا لله وإنا إليه راجعون.