إذا استطعت أن تستنبت من القوة الصلبة مشاعر، وقيما، وأخلاقا، وثقافة قابلة للتداول فقد أوجدت لك قوة ناعمة تردف قوتك الصلبة، بحيث «تجعل الآخرين يريدون ما تريده» بدون إرغامهم على ذلك. قوتك الصلبة في بعض الحالات قد لا تكون كافية لحسم الحرب لصالحك، ولدينا بالنسبة لأمريكا أمثلة واضحة في فيتنام، وأفغانستان، والعراق حيث لم تتمكن القوة العسكرية وحدها حسم المعارك التي بدأتها أمريكا. ولكن في الوقت ذاته فإن أمريكا فتحت تلك البلدان لثقافتها وقيمها وشعاراتها في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، وتركز على العمليات دون اكتراث بالنتائج، أو لنكن أكثر دقة في غير تعجل للنتائج؛ يمكن لنا توصيف العلاقة بين أمريكا والعالم بأنها خوف وحب في آ ن واحد. وحتى يبرر الأتباع هذه العلاقة المزدوجة فإنهم يفرقون بين سياسة أمريكا وبين قيمها. فهم يحبون قوتها الناعمة ويكرهون قوتها الصلبة. والحال مع اليابان قد يبدو مختلفا. الأمير محمد بن سلمان زار دولتين لهما مكانة في عالم اليوم وهما كوريا الجنوبية، واليابان. الدولتان لا نفط عندهما ولا ذهب، ومع ذلك تعتبران في صدارة ترتيب دول العالم في الاقتصاد. كما أنهما ليستا معروفتين بقوتهما الصلبة المتمثلة في الجيوش والتسلح. اليابان ولأول مرة ارتقت في سلم القوة الناعمة لتحل في المركز الخامس كأول دولة من خارج أوربا وأمريكا الشمالية تنال هذه المكانة. فكيف عملتها اليابان؟ مقاييس القوة الناعمة التي تجعل اليابان خامسا على العالم، والصين في المرتبة 27، وروسيا في المرتبة 29، تعتمد على الثقافة، والمشاركة الفاعلة، وبيئة الأعمال التجارية، والسياستين الداخلية والخارجية، والتعليم، والمطبخ. والترقي في سلم القوة الناعمة لا يمكن شراؤه ولا الرشوة فيه، فهو عمل تراكمي، تصنعه المصداقية الداخلية، والتأثير الخارجي، ومنظومة من القيم الإنسانية التي تتمسك بها الدولة وتطبقها فعليا. لم تعق اللغةُ اليابانوكوريا الجنوبية عن تبوؤ موقعين متقدمين على دول أضخم اقتصاديا وعسكريا منهما كالصين، فقد حققت الدولتان سمعة عالمية مع احتفاظهما بلغاتهما المحلية، وعلى تقاليد عريقة تراكمت عبر العصور. اليابانيون مازالوا يخلعون الأحذية عند مدخل شققهم، ويأكلون على «الطبلية»، ويعبدون أصناما تتناقض بشكل صارخ مع العقلية العلمية والتكنولوجية لليابان اليوم. اليابانيون محسوبون على المعسكر الأمريكي، ولكنهم يحيطون مكوناتهم الثقافية والهوياتية بحماية مغلّظة، ويرفضون الذوبان في الحضارة الغربية، ويحمون لغتهم ويسهمون في نشرها، ومع ذلك يرحب بهم العالم ويعتبر النموذج الياباني من أهم النماذج التنموية الناجحة. المملكة وضعت خطة ورؤية، ورزقها الله قائدا شابا يسير بها نحو المستقبل، ولا أراها إلا ناجحة فيما تهدف إليه إن شاء الله. نحتاج أن نقتبس من نور البصيرة عند اليابانيين والكوريين والصينيين ما نستعين به في تبين ملامح المستقبل. فالمحافظة على هويتنا الدينية واللغوية ومكوناتهما الثقافية وعاداتنا وتقاليدنا التي تبقي المجتمع موحدا وتعطيه نكهته السعودية الخالصة لا يجب أن يكون موضع مساومة. المحافظة على أهم سمات التمايز والتنوع في الداخل، والخارج يكسبنا مصداقية. إذا تخلينا عن خصوصيتنا فسوف نكون مجرد رقم من ضمن 200 دولة حول العالم. لو كانت اللغة الإنجليزية مفتاح التفوق، أو معيقا له لسبقتنا إليها اليابان، ولو كان كل بلد يتحول نحو الإنجليزية يصبح من دول العالم الأول لكانت سيرلانكا، والهند، وباكستان وبنجلاديش ضمن الدول المتقدمة صناعيا. قوتنا الناعمة تكمن في تمسكنا بقيمنا وتطبيقها في الداخل وفي تعاملاتنا مع الخارج.