يقول عبدالرحمن منيف «إنّ الروايات المهمة يبدأ أثرها عندما تنتهي». للوجود النجدي في الكويت حكاية قديمة، إذ تشير رواية (الكويت كويتك) ل عبد الله بن حمد الخويطر الصادرة حديثاً عن دار جداول2019م في 110صفحة إلى أن الفترة من القرن التاسع عشر والقرن العشرين شهدت هجرة عدد من النجديين إلى دول الخليج العربي، فكانت الكويت من أوائل الدول التي سافر إليها كثير من النجديين. ولكن لماذا لجأ النجديون إلى الكويت دون غيرها؟ فقد شهد مطلع القرن العشرين انتعاشا اقتصاديا ملموسا في الكويت بعد أن بدأت تتشكل معالم الدولة الحديثة فيها, فقد ازدادت أهميتها التجارية كمركز للتجارة الإقليمية في الخليج, فضلاً عن ذلك كانت الأسر تشجع أبناءها على السفر والبحث عن الرزق وضربوا لهم الأمثال حتى قالوا: الكويت كويتك لا قلّ ما بيتك، وانطلاقا من ذلك المثل اختار الخويطر عنوان روايته. تدور أحداث الرواية في عنيزة حول «حمد» الفتى الطموح الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، المرهف الحس الذي كان يحفظ بعض القصائد الغزلية تبدأ أحداثها بحوار بين حمد ورويشد الذي يكشف لصاحبه حول رغبته بزواجه من حبيبته موضي الذي يشير عليه بالسفر إلى الكويت، فالتفت إليه رويشد قائلاً له بلهجة المتحدي الهازئ: والله ما تدخل عليها وأنت قاعدن هنا فنظر إليه بعينين دهشتين وقال: وش تقصد؟ اطرق اطرق كانك تبي تزوج رح للكويت لا تقعد هنا يبدي حمد تخوفه من والده ورفضه السفر إلى الكويت لكنه يصر للذهاب وينجح في إقناع والده الذي كان دائما ما يردد «نجد تالد ولا تغذي» فوافق بعد أن طلب منه أن يخفي أمر سفره عمن حوله خجلاً من مواجهة الناس الذين عُرف عندهم رأيه المعارض لسفر أبنائه إلى الخارج للعمل. سافر حمد إلى الكويت بعد أن اقترض من أبي بسام مئة ريال على أن يؤديها له بعد سنتين، ثم انطلق إلى السوق بعد أن ودع أهله إلى حاملي الركاب في السوق وكان خط سير السيارات أن تسافر إلى الرياض ثم إلى الكويت لتختم أوراق إذن المسافرين بالرياض، وبعد إنهاء إجراءات السفر انطلق إلى الكويت. في الكويت تراءت لحمد المدينة من بعيد كاملة بسورها الذي يضم بين جنباتها أسواقها وقصورها, تلك المدينة التي طالما ظل يحلم بأنه سيعود شيخاً لابسا بشتا وبيده سبحة كهرمان عتيقة وقد فاحت منه رائحة العود الفاخر، لكن لم يلبث أن تبددت تلك الآمال وأحلام الغنى والجاه حين اقترب من المدينة أكثر وأكثر فدهش حين رأى الفقراء الذين ضاقت الحكومة بهم وتبددت تلك الأحلام لتكون في مهب الريح. بعد أن وصل حمد إلى سوق الكويت ينصحه أحد النجديين أن يبحث عن جماعته، وبعد بحث طويل يجد أحد معارفه الذي ينصحه بالبحث عن العمل، في اليوم التالي يبدأ حمد باكرا في رحلة البحث عن عمل ليطرق أبواب المقاولين آملاً أن يستأجره أحدهم للعمل معه، وبعد محاولات عديدة ينجح حمد في كسب ثقة المقاولين حتى أصبح المقاولون يفضلونه على غيره من العاملين لجده وتفانيه في عمله وتمضي السنتان مسرعة على عمله في الكويت ثم يعود إلى عنيزة بعد أن جمع مالا كافياً وليتزوج من حبيبته موضي لكنه لم يلبث أن يعود مرة أخرى إلى الكويت بعد أن تكالبت عليه ظروف الحياة ليعمل بها سنة واحدة ثم يعود. كان من آثار الإقامة في الكويت على النجديين، التوطن والاستقرار النهائي، فقد حصلت شريحةٌ من النجديين على الجنسية الكويتية وصاروا جزءًا مهماً من نسيج المجتمع في الكويت، مكونين منها بيوت تجارية معروفة في مختلف الأنشطة، فنجد أن بطل الرواية أتيحت له فرصة أن يمتلك أرضاً في الكويت حيث كانت حكومة الكويت تمنح الخليجيين أراضي سكنية بهدف زيادة عدد سكانها وتوطينهم لكنه لم يتقدم بطلب فلم يكن هدفه للسكنى بل للعمل. بالطبع لم تكن رواية «الكويت كويتك» في طليعة الروايات التي ناقشت موضوع هجرة النجديين، فقد سبقه كثيرون، منهم الراحل خالد البسام في رواية «لا يوجد مصور في عنيزة» وهناك أيضاً رواية «صخب الحياة» للروائي عبدالرزاق المانع والتي ناقشت كلا الروايتين موضوع هجرة قسم من أهالي نجد إلى الزبير، ولا ننسى رائعة الدكتور محمد أبو حمراء «سياحة الشقاء» التي تحكي عن هجرة نجدي إلى شرق المملكة بعد اكتشاف البترول. لا شك أن تجربة حمد الخويطر التي قضاها في الكويت خلال ثلاث سنوات كانت مليئة بالأحداث، بل نستطيع القول رواية الكويت كويتك هي أقرب لسيرة ذاتيّة وتاريخيّة منها لتكون رواية بالمعنى الحقيقي للرواية، سجل فيها الكاتب حياة والده ولربما وجد فيها من كان مهتمًا برحلات أهل نجد إلى الخليج متعته. أما الرواية الثانية تدور أحداثها حول هجرة فتاة نجدية إلى الكويت تحت عنوان «بين المجمعة والمرقاب» للكاتبة الكويتية منيرة العيدان التي توثق في 120 صفحة رحلة فتاة على ظهر ناقة بعد موجة القحط التي مرت على نجد سنة 1909م قدمت من خلالها سيرة نورة الحسيني جدة والدها بعد أن تزوجها عبدالرحمن العيدان واستقرا في الكويت في قالب روائي جميل. وفيها تذكر في مقدمة الرواية سبب توثيقها لرحلة جدتها تقول «حدثني والدي عن كل تفاصيل ومشاق هذه الرحلة، فقررت فوراً أن أوثق سيرة حياتها، لأني رأيت فيها ما يستحق التوثيق، خصوصاً أن ما كُتب وُوثق عن هذه الحقبة شحيح جداً». الجميل أنه في كلا الروايتين يؤرخ الكاتبان الخويطر والعيدان لأحداث واقعية ولمجموعة كبيرة من الأحداث التاريخية في الكويتوعنيزة كيف انعكست هذه التطورات على حياة الناس ومصائرهم وإلى وصف أنماط العيش المختلفة وكيف أثرت العادات والتقاليد، بل إنهما يؤرخان للمكان لغوياً، ويسجلان المفردات واللهجات محاولين إحياءها. كما أنها تلقيان ب»قليل» من الضوء على المكوّن الثقافي والاجتماعي لمجتمع الكويتوعنيزة، ولا تخلو الروايتان من بعض الالتقاطات التاريخية كحديث الخويطر عن تجارة التهريب وطرق المهربين في إرسال الدخان إلى عنيزة. وعن مقهى بوناشي التاريخي الذي أسسه أحد التجار الأحسائيين في عهد الشيخ عبدالله بن صباح، الذي اشتهر بأنه ملتقى التجار النجديين الذي يتناقلون فيه خبراتهم، وعن شخصية التاجر المشهور الشيخ عبدالرحمن المنصور الزامل. حديث العيدان عن دخول مكائن السنجر للكويت, عند بداية دخول الكهرباء, عن مدرسات الإرساليات التبشيرية, وعن وصف رحلة الحج. فمن عنيزةوالمجمعة خرجت روايتان تؤرخان هجرة حمد الخويطر ونورة الحسيني التي لا شك ستبقى خالدة في ذاكرة الأجيال, فهل نجد روايات أخرى تؤرخ لبقية النجديين؟ - الرواية ذاكرة التاريخ