بعض بني البشر يصول ويجول في حياته، وقد يغادر مهوى رأسه لطلب المعيشة أو لاقتناص العلوم المفيدة من مظانها، أو لأي شيء من متطلبات حياته.. ليروي غُلة نفسه مما تسمو إليه: ففي يوم السبت 2 - 7 - 1440ه هاتفني الأخ الحبيب الدكتور أحمد بن عبدالرحمن القاضي، معزياً في عمه الشيخ الأديب محمد بن عثمان بن صالح القاضي - أبو صالح - لعلمه بمكانته وحُبي له، ولأخيه عبدالرحمن الذي نسعدُ بالسلام عليه في منزل شقيقه - أبو صالح - كلما نحضر إلى محافظة عنيزة للسلام على عدد من الأصدقاء والمعارف هناك، أمثال حبيبنا الشيخ الفاضل عبدالله بن حمد الجلالي - أبو حمد - والأستاذ الكبير المربي عبدالرحمن بن صالح العليان - أبو عبدالله - والأستاذ الكريم محمد بن حمد السليم - أبو سليم - أمير محافظة عنيزة - سابقاً - وعلى حبيبنا الأستاذ الفاضل الشيخ عقلاء بن محمد - أبو محمد - وعلى أبناء فضيلة الشيخ عبدالعزيز المساعد - رحمه الله - وغيرهم من أبناء القصيم الكرماء، ولقد تأثرت كثيراً على رحيل الشيخ محمد -أبو صالح - الذي أفنى عمره في تسريح نظره في بطون الكتب.. وتأليفه لعدد من الكتب النفيسة، وأشهرها كتابه الثمين كتاب الوفاء للراحلين ولأسرهم المفجوعين في أهليهم ومحبيهم: (روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد، وحوادث السنين)، وكذلك منهاج الطلب عن مشاهير العرب، وكذلك الموسوعة في تاريخ نجد، وكتاب منار السبيل في الأضواء على التنزيل وغيرها.. وقد تولى إمامة مسجد (أم خمار) بعنيزة خلفاً لوالده منذ وفاته عام 1366ه حتى عام 1436ه حيث أتم سبعين سنة إماماً به: وكانت ولادته عام 1346ه في مدينة عنيزة، وحفظ القرآن الكريم في مقتبل عمره، وتتلمذ على والده، وعلى الشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ عبدالرحمن بن عودان (قاضي عنيزة آنذاك) وعلى الشيخ عبدالله بن عقيل، ولازم دروس زميله في الطلب الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ثم درس بالأزهر بضع سنين حتى أتقن في الفقه، وفي اللغة العربية، ولقد أسس المكتبة الصالحية بعنيزة وجلب لها عدداً كبيراً من الكتب، والمخطوطات النادرة، ثم ضمها لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وظل أميناً لها حتى أقعده المرض، ثم انتقل إلى دار النعيم المقيم - بحول الله - مساء يوم الجمعة غرة رجب 1 - 7 - 1440ه ليلة السبت وقد تزامن نهاية شهر جمادى الآخرة لعام 1440ه مع نهاية أيام الشيخ الأديب محمد بن عثمان بن صالح القاضي من أيام الدنيا - تغمده المولى بواسع رحمته- وأديت صلاة الميت عليه بعد صلاة عصر يوم السبت 2 - 7 - 1440ه بجامع البسّام في محافظة عنيزة، وقد اكتظ بجموع غفيرة من المصلين رجالاً ونساءً من مدينة عنيزة والمحافظات المجاورة لها، داعين المولى له بالمغفرة وطيب الإقامة في جدثه الى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق ليوم الحساب، ثم ووري جثمانه الطاهر بالمقبرة العامة في نفس المحافظة، ولك أيها القارئ الكريم ان تتصور حال بنيه وهم يهيلون التراب على قبره، وبهم ما بهم من لوعات الفراق والحزن العميق على بعده عن نواظرهم: كان الله في عونهم وعون أسرته ومحبيه، ولنا معه بعض الذكريات الجميلة حينما نزوره في مكتبة الصالحية أثناء زيارتنا محافظة عنيزة، فيرحب بنا ويهدينا من مؤلفاته النفيسة ويؤكد علينا دخول منزله وتناول طعام الغداء اذا سمحت ظروفنا بذلك، كما هو حال أحبتنا في نفس المحافظة..., كما سبقنا في تأبين حبيبنا -أبو صالح- الأخ الكريم الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي-أبو طلال- الذي لا يفوته يوم فيه أجر وشرف - تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أبناءه وبناته وعقيلته، وأسرة القاضي عموماً، ومحبيه الصبر والسلوان. ** **