لا يزال الملام يتبع في أحوال ودواعٍ تستجلب أن لماذا الشعر الشعبي اللون الجميل في خلد فئام من القوم لم ينَلْ كافي حقّه؟ يُقال إن أول العافية أن تعرف أنك مريض (فالاعتراف بحد ذاته خطوة إدراك.. فتعمد أقصد تعمل إلى أن تُشفى)، فكذلك الإشارة إلى موضع الزلل أول طُرق التصويب.. له. العرب تقول (يداكا أوكتا وفوك نفخ) لنأتِ ونحاكِ هذا المثل بحال هذا البديع، ولو عند أهل هذا.. اللون؟! والذي حين يُطرق لا ينكر أدنى مُطّلع أن له نكهته وجميل وقع.. لكن لأنه حصر نفسه بدلالة ألفاظ ومعانٍ أخذت سياقات محلية صرفة، ولكأنه جنى على نفسه من أن يحلّق بجناحَي الفصحى وبوجه الدلالة منها.. إلى العوالي. لذلك لا تعدم من ينتقده على هذين السببين اللذين نحا به لخفوت وقعه إلا على ذائقة أهله ونادي آله؛ وذلك لأنه استخدم ألفاظًا بغير وجه دلالتها الفصيحة، ثم حصر نغمته على أهازيج منطقته؛ ما جعله لا يعدو بيدر قومه. وإلا لو انفكّ من هذين القيدين لربما بلغ مبلغ الفصيح مكانة، بل أؤكد أنه سيعدو في بيد الذائقة لكثير من عطاء الفصيح؛ لما يحمله من دلائل تتدلّل هي على الذائقة التي ما إن يعنّ لها طارئ إلا ونحت إليه تواسي ذاتها به، وتتعزى بما يحمله من وقع كحذو الإبل في فيافيها، أو حمحمة الجياد إذا ما دانت من الربوع والطلال إذا ما فاتك (التفات) إلى الماضي فقد..غاب عنك وجه التأسّي بل بلغ ببعض الشعراء أن عُلل لهم (مما حلّقوا إليه من آفاق) أن نظمهم أهلٌ لأن يصل إلى ما وصل إليه فرسان الشعر العباسي أو حتى ما ناله مكانة فُرادى شعراء الأمويين. .. وهنا يبقى على خفوت تذوقنا له موضع ملامنا.. فعلى فرضية هضم ما يوحي به، أو ينفخ في كيره، إن في قصره على الزمان أو حصره بالمكان (لثغة الأولى وتراتيل الأخرى)، و.. فلن نستطيع التجاوز عن دلالاته التي أخذت خلاف المعنى اللغوي السليم.. فهو ك(العامية) التي نقبلها في المحكية (المشافهة).. لكن أبدًا لا نقبلها في لغة الكتابة، فضلاً عن التعليم، والدرس؛ وعلى هذا أطال الوقوف ملامنا عليه حتى ضرِس... (أي كلّ وتعب). ** **