ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بلقطة تظهر هدفًا إعجازيًا سجله لاعب النادي الأهلي عمر السومة على غريمه التقليدي نادي الاتحاد، الهدف كان من خلال لمستين أخيرتين من اللاعب بعدها أرسل الكرة مستعينًا بخريطته الذهنية -كون ظهره هو الذي كان مواجهًا للمرمى - التي ساعدته في إسكان الكرة في المرمى الاتحادي. فرح الجمهور وتفنن المغردون في استعراض الهدف ومقارنته بأهداف أوروبية سابقة. هنا تنتهي قصة الهدف وحفاوة الرياضيين به، ونبدأ في تفحص هذه اللقطة الإبداعية من منظور نقدي بسيط، فعلى الرغم من كون هذه المناسبة رياضية إلا أنها حشدت إجماعًا غير مسبوق على أفضلية هذا اللاعب وهدفه. نسي الجميع حساسية المباراة ومآلات التنافس بين الفريقين وركزوا على روعة الهدف. أهداف كرة القدم هي المنتج الإبداعي الذي يبحث عنه اللاعبون والجماهير، واهتزاز الشبكة هو هدف في مرمى الإبداع قبل أن يكون هدفًا في الشباك. وبالمثل، المبدع أيًّا كانت صنعته أو موهبته، إذا لم يكن له عمل يخلده فإنه يظل نسخة مكررة من سابقيه ومع تكرره، تأنفه الذائقة والعين الفاحصة والناقدة، المتنبي ما زال يُقرأ ويُستعار ويحضر في كثير من المناسبات الإنسانية، لماذا؟ لأنه حضر بطريقة مختلفة فأبدع، وهذا الإبداع قاده إلى الخلود على مستوى الشكل والمضمون. التقليد آفة كل عصر، والمقلد لا يعد أن يكون مجرد مؤد على أحسن الأحوال، ولابن حزم فيلسوف الأندلس مقولة شهيرة يقول فيها: المجتهد المخطئ أفضل عند الله من المقلد المصيب، ورغم ما يعتري هذه العبارة من جرأة أو تجاوز قد يراها البعض، إلا أنها تؤكد مسألة مهمة وهي أن الإبداع لحظة فارقة في عمل الموهوب لأنه يحضر ويقدم نفسه بطريقة مختلفة وجديدة تجعله الحدث الذي يتناقله الناس، والعمل الذي يظل راسخًا في الذاكرة في شطرها الإبداعي العظيم. الراسخون في الإبداع خالفوا السائد الذي أحاط بهم، فتفتقت عبقرية الواحد منهم بعمل إبداعي غير قوانين الذائقة وموازينها، ورجحه ليصب في مسيرتهم وحضورهم ليظلوا هم شهود العصر وكل عصر، هم الخالدون المخلدون في ذاكرة الفن والشعر والرسم والعلوم المختلفة، لا لشيء إلا لأنهم اقتنصوا لحظة فارقة ساد قبلها أو خلالها، نمط معين من الحضور والإنتاج، وفي غمرة انغماس الناس في هذا المنتج، سجل هؤلاء المبدعون هدفًا في مرمى الذائقة أو المنجز، بطريقة مختلفة جعلتهم رموزًا إنسانية بهم تؤرخ العصور وبهم تبدأ وإليهم تؤول وتعرف وتُعرّف. ** **