أن تعيش في بيت جميل تحبه فهذه نعمة كبيرة وعظيمة، وأن تعيش في بيت جميل تحبه في وسط بلدة تحبها هذه أيضا نعمة أكبر وأعظم، وأن تعيش في هذه البلدة في هذا البيت وبجوارك مكتبة تحتوي على أكثر من ثلاثين ألف كتاب متنوع فهذه لا شك أحد الأماكن التي تستطيع بكل ثقة أن تسميها جنة. أظن أن ألبرتو مانغويل هو المؤسس لما كان قد سماه «فن المكتبات». قرأت له منذ نحو عقد من الزمان مقالاً عن نشوء مكتبته الضخمة وتطورها مع الزمن، من رف صغير قرب السرير إلى ما يتجاوز الثلاثين ألف كتاب. لست من الذين يدمنون اقتناء الكتب بهدف أن يكون لدي عدد أكبر من غيري دون هدف، لكني أؤمن بأن حجم المكتبة الشخصية وتنوعها يثري صاحبها، وهنا أخص الشخص القارئ واستثني مستخدمي الكتب للزينة والتفاخر. في مقالته يعود مانغويل إلى بدايات نشوء المكتبة في المنزل فيحكي أن والده طلب من السكرتير أن يشتري الكتب للمنزل الجديد ليملأ بها الرفوف الفارغة، ولعل الأب لم يكن ينوي القراءة لكنه في ظل الخطأ الذي كان يرتكبه، كان يفعل شيئًا أكثر من الصواب، وهو أن أخرج لنا من بين رائحة الورق في هذه الأرفف رجلاً يسمى اليوم عراب «فن المكتبات». شعور الاستمتاع المصاحب للقراءة والذي يجسده مانغويل في طريقته في الكتابة عن القراءة قد يكون أهم من القراءة نفسها أحيانًا. ** **