صدر مع مطلع العام الحالي 1440 للأديب الشاعر عبدالقادر عبد الحي كمال ديوانه (على جدارية القمر) في أربع وعشرين ومائتي صفحة. وكعادة شاعرنا في اعتنائه بدواوينه فقد جاء الديوان مميزاً بإخراج بديع بدءاً من الغلاف الذي يحتل رسم القمر الجزء الأكبر منه، ثم بتظليل حافتي كل صفحة من صفحات الديوان - العليا والسفلى - باللون الرمادي، واختيار بنط الخط الكبير المضبوط بالشكل، مع توزيع أبيات القصائد على الصفحات بشكل مريح للقارئ، إذ إن معدل عدد الأبيات في الصفحة الواحدة ثلاثة أبيات. وقد استقل عنوان كل قصيدة بصفحة مع صورة معبرة عن مضمونها وذكر لمكان نشرها وتاريخه في الصحف المحلية، وفي أحايين كثيرة مناسبتها. ضمت هذه المجموعة خمسا وثلاثين ما بين قصيدة ومقطوعة كلها من الشعر العمودي. البحور التي خاض غمارها شاعرنا في ديوانه هي على الترتيب: الخفيف والبسيط والكامل والطويل، أما السريع والمتقارب والرمل فلم يكن نصيبها أكثر من قصيدة أو قصيدتين فحسب. ومن مظاهر التجديد قصيدة كتبت على نمط الموشحات وأخرى على نهج الرباعيات. من تواريخ القصائد يبدو أن شاعرنا قد عاد إلى أوراقه القديمة فأحيا قصائد قديمة لم يكتب لها الظهور في دواوينه السابقة، ومما يسترعي الانتباه أن ثلاثا فقط من قصائد الديوان كتبت سنة 2018 أما بقية القصائد فموزعة بين العقدين الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين وقصيدة واحدة كتبت عام 1988 . ولشاعرنا اعتناء فائق باللغة العربية - كما هو دأبه في دواوينه السابقة - فحين ترد المفردة المعجمية في البيت يبادر إلى بيان المراد منها في حاشية الصفحة - وإن لم يطَرِد ذلك في كل المفردات التي تحتاج إلى إيضاح - ومن تلك المفردات التي لم يوضح المراد منها كلمة (الأبجر) التي وردت في قوله [ص9]: ومن المؤكد أنه لا يقصد المعنى المعجمي للأبجر - وهو الضخم البطن، أو الممتلئ - بل يعني جواد عنترة بن شداد المعروف بالأبجر. ومن اهتمامه بلغته كثرة المفردات القرآنية في أبياته مثل قوله [ص81]: وكذلك قوله [ص91]: فلتعش روحك الفتية في جنات عدن وعند (قصر مُشيَد) كما دأب على تبيين أسماء الأعلام والأماكن والأحداث التاريخية التي تتضمنها أبياته، والإشارة لأمثال العرب كما في قوله [ص45]: ولعل القافية اضطرت شاعرنا إلى إسناد الفعل إلى واو الجماعة بدلاً من ألف التثنية. وقد حاول شاعرنا ترتيب الديوان ترتيباً موضوعياً بحيث يجعل القصائد المتشابهة متجاورة، فجاءت بعض المراثي متجاورة وكذلك الإخوانيات، لكنه لم يعتمد هذا المنهج في الديوان كله. وشاعرنا وفيٌ لأصدقائه، وفي الديوان أكثر من قصيدة تشهد بهذا، منها قصيدته في تكريم الأستاذ عبدالرحمن الشبيلي التي كان عنوانها (هم كرموك) - وكان بودي أنه اختار لها عنوانا غير تقليدي - وردُّه بقصيدة كاملة على بيتين حياه بهما الدكتور سعد بن عطية الغامدي. ومن الوفاء بالأموات رثاؤهم. ففي ذكرى وفاة الدكتور عبدالله العثيمين نظم قصيدته بعنوان (مهيض الجناح) كما رثى شابا اسمه فهد بن عبدالعزيز بقصيدة أخرى. ولعل كثرة فقد الأحبة يجعل الإنسان يحس بالوحشة ويكثر الشكوى من تصرم الزمان وإقبال الخريف، على شاكلة قصيدة شاعرنا (العمر الشاحب) ومطلعها [ص95]: روعتني الحياة والعمر شاحب وخريفي.. ويا شحوب خريفي إلى أن يقول [ص96]: كنت أغدو مع الرفاق فتيّا فخبت قوتي وغادر صحبي وفي ساعة من ساعات التأمل أخذ شاعرنا يرثي نفسه في مقطوعة من خمسة أبيات بعنوان (كلنا للفناء) يقول في ختامها [ص93]: وانثروا الماء فوق قبري وقولوا: ومع ذلك لم يخل الديوان من القصائد العاطفية والمتفائلة المفعمة بحب الحياة والطبيعة، ومما يبهج القارئ أن هذه النفس المتطلعة للحياة تتجلى في القصائد المتأخرة التي كتبت سنة 2018 ومنها قصيدة (صوغ المشاعر) التي يقول فيها [ص106]: وكذا القصيدة المعنونة (من أنا؟) التي يقول فيها [ص172-173]: وكثيراً ما يحيرنا الشعراء فلا ندري متى نأخذ كلامهم محمل الجد ومتى نعده من لغو القول. لعلها الحالة التي تفرض على الشاعر تغيير نغمته. هاه و شاعرنا يشتكي من طول الليل مرة [ص119]: ما أثقل الليل على عاشق وها هو ثانية يطلب من الليل ألا يتعجل [ص183]: يا ليل طُلْ لا تعجِّل في مبارحتي وانشر رواقك في درب الجمالات يفتتح الديوان بقصيدة من مجزوء الكامل بلغت أبياتها خمسة وأربعين بيتاً - وهي أطول قصائد الديوان - وعنوانها (نفثات عربي من المهجر) يجريها على شكل حوار بينه وبين أخيه الشاعر الجاهلي (عنتر): ويمضي عنترة في تساؤلاته مستكثراً أن يحل بالعرب ما حل بهم من هوان فيذكرهم بقبائلهم التي ينتمون إليها: وفي قصيدة إخوانية عنونها ب(غيمة الأشواق) وأرفق بالعنوان صورة الشاعر الدكتور أحمد الهلالي في إشارة إلى أنها موجهة إليه. يقول فيها: ولم تغب القضايا الوطنية عن ديوان الشاعر فقد تحدث عن سيولجدة وما فضحته من فساد في قصيدتين فيفتتح قصيدة (سونامي جدة) بغضبة صريحة: ثم نظم قصيدة (سيدة البحار) بعد تجدّد الكارثة في العام التالي، وفيها يقول على لسان جدة: ومن القصائد التي عبّر فيها شاعرنا عن إعجابه ببعض أجزاء وطنه قصيدتا (عسير الحب) و(باحة العلا). ومن النقد الاجتماعي قصيدة (العُقربان) التي يتناول فيها عقارب المجتمع التي لا تجرؤ على اللسع إلا في الخفاء. وفيها يقول [ص66]: ولم يبن شاعرنا المراد من كلمة (تصيئ) ولعله يقصد (تصأى) بمعنى (تصوّت). ** **