مساعد مدرب المنتخب السعودي: مواجهة المغرب تنافسية ونسعى لنتيجة إيجابية    الجوازات تضع شرطا للسفر لدول الخليج بالهوية الوطنية    افتتاح متحف البحر الأحمر في جدة التاريخية    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    أمير منطقة تبوك يتابع الحالة المطرية التي تشهدها المنطقة    أمير الشرقية يهنئ جمعيات المنطقة الفائزة بجائزة الملك خالد ويستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    إنه عمل غير صالح    زين السعودية و KoçDigital" شراكة إستراتيجية لتسريع التحول الرقمي الصناعي    عودة ثنائي النصر في معسكر أبوظبي    المنظومة الثقافية تدشّن مشاركة المملكة في معرض "أرتيجانو آن فييرا" بمدينة ميلانو الإيطالية    الهلال الأحمر بجازان ينفّذ برنامجًا تدريبيًا للإسعافات الأولية بمدرسة إبتدائية مصعب بن عمير    مدرب يوسف أكتشيشيك يتحدث عن موقف اللاعب    تتويج المنامة كأفضل وجهة عالمية لسياحة الأعمال في حفل جوائز السفر العالمية 2025    كشافة وفتيات تعليم "مكة" نموذج وطني في خدمة ضيوف الرحمن في اليوم العالمي للتطوع    البرلمان العربي يدين مخططات كيان الاحتلال لفتح معبر رفح باتجاه واحد محاولة لتهجير شعب غزة    توزيع (380) حقيبة إيوائية للمتضررين من الزلزال في مديرية علينكار بأفغانستان    الصين تطلق قمرا صناعيا يعمل بالفحم    العاصمة الرياض تشهد توسّع استراتيجي يعزّز شبكة روتانا ساينز الإعلانية بإطلاق شبكة شاشات رقمية ضخمة بمساحة إجمالية تتخطى ثلاثة آلاف متر مربع.    استشهاد فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي جنوب الضفة الغربية    موجز    التعادل يحسم مواجهة مصر والإمارات    في الجولة الثالثة لكأس العرب 2025.. فلسطين وسوريا يتطلعان للتأهل.. وقطر وتونس يتمسكان بالأمل    مبابي يتطلع لكسر رقم رونالدو    الفيفا يعتذر لسكالوني بعد إلزامه بارتداء قفازات لحمل كأس العالم    نائب أمير الرياض يواسي رئيس مركز الحزم في وفاة والدته    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. "التخصصات الصحية" تحتفي ب 12,591 خريجًا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    حماس توافق على لجنة «تكنوقراط»    رغم الانتقادات التي تضمنتها «الوثيقة الأمريكية».. واشنطن الحليف الأكبر لأوروبا    البلوي يحتفل بزواج سامي    موظف يسرق ذهب محكمة إسطنبول    صليب العتيبي في ذمة الله    الجيش اللبناني يوقف المعتدين على «يونيفيل»    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرّم الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    «توكلنا» يحصد جائزة أفضل تطبيق حكومي عربي    يسرا اللوزي تستعد بمسلسلين لرمضان    إعلان العروض المسرحية لمهرجان الرياض    إطلاق استوديوهات بلاي ميكر في القدية    شركة طيران تنفذ نظاماً جديداً تجاه « البدناء»    تتم عبر تصريح «نسك» للرجال والنساء.. تحديد زيارة الروضة الشريفة ب«مرة» سنوياً    "التخصصي للعيون" يفوز بجائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتطوير القطاع الصحي    مجمع الدكتور سليمان الحبيب الطبي بالعليا يستخرج شظية معدنية من قاع جمجمة بعملية منظار دقيقة    27.6% زيادة في استهلاك الغاز الطبيعي في المملكة    جلسات سوق البحر الأحمر تناقش مستقبل صناعة السينما    هجوم على روضة يفتح ملف استهداف المدنيين في السودان    التماسيح تثير الرعب في قرية مصرية    6886 شخصا يعانون من الصداع ومكة تسيطر ب39%    أغاني فيروز تغرم مقهى    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    تكلفة العلاج السلوكي المعرفي    جمعية أرفى تُقيم فعالية "قوتك وقايتك" بمناسبة اليوم العالمي للإعاقة    رئيس البرلمان المقدوني يستقبل إمام المسجد الحرام الدكتور المعيقلي    أكثر من (39) ألف مهمة تطوعية و(19) ألف متطوع في الحرمين الشريفين خلال عام 2025    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي الدفاع الجوي بجازان    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب حافل بالرطانة المدرسية والاتهامات الشائعة . الضبع يقضي على قصيدة النثر المصرية وينصب المنفلوطي رائداً لها
نشر في الحياة يوم 23 - 01 - 2004

في كتابه "ما وراء الخير والشر" يقرر نيتشه مبدأ ناصعاً مؤداه: "عندما نفهم كلياً في شكل مغلوط، فمن المستحيل أن نستبعد سوء فهم التفاصيل. هذا ما تنبغي معرفته جيداً لئلا نُبذّر طاقة زائدة في الدفاع عن الذات". في ظني أن هذا المقتطف النيتشوي يمثل نافذة صالحة للإطلال على ما يجري في ساحة السجال الثقافي المصري في شأن قصيدة النثر، التي قوبلت منذ تجلياتها الاولى بالرفض والنفي والتكفير. ومع تواتر أجيالها وشعرائها افقياً على مستوى البلد الواحد وعمقاً بتقادم الأيام، تواتر هذا الفهم المغلوط لقصيدة النثر، بل ازداد سطوة وتشوهاً. فالمحافظون الذين رفضوا جيل الريادة ومن شعرائه توفيق صايغ ومحمود الماغوط وأنسي الحاج وجبرا ابراهيم جبرا وابراهيم شكر الله ومن بعدهم أدونيس، هؤلاء المحافظون وقعوا في أحادية التلقي والتعسف، لكنهم كانوا يقصدون برفضهم جيلاً بعينه، اسماؤهم معروفة وانحيازاتهم الجمالية معروفة ونتاجهم معروف ومقروء. إلا أن هؤلاء المحافظين أسلموا رايتهم على المستوى الثقافي العام وعلى مستوى الدرس الاكاديمي لتابعين كثر، لم يكتفوا بعدم متابعة الاعمال الشعرية لجيل الرواد في قصيدة النثر، استناداً الى زمان التعسف وطمأنينة التكفير والرفض، بل تجاهلوا جيل الرواد وتقاعسوا عن متابعة نتاج الاجيال والاتجاهات المتواترة والمتباينة داخل القوس العريض المسماة قصيدة النثر العربية. ومن ثم، أصبح رفض المحافظين الأول المتعيّن ضد نتاج شعري بعينه على أيدي هؤلاء التابعين في طمأنينة التكفير والرفض، "كليشيهاً" اختزالياً يترافق مع عدم الإلمام بخريطة الشعرية العربية الحديثة والتي تمثل قصيدة النثر متنها العريض.
مع ذلك، وفي مفارقة مؤسسية، يوغل رفض هؤلاء المحافظين التابعين من الشعراء او النقاد المدرسين في "الطنطنة" و"الشقشقة" حول المصطلح "قصيدة النثر" وما يشتمل عليه من تناقض وحول ملاءمة نسبة القصائد المكتوبة في إطاره الى فن الشعر.
وعلى صعيد آخر، غدت "قصيدة النثر" لدينا، موضوعاً صحافياً ينتمي الى المواضيع الساخنة في صفحات الثقافة التي لا تختلف في شيء عن صفحات الإثارة. فهي في المجمل تهدف الى تقديم مادة "ساخنة" لقراء لا يجذبهم في الأغلب الأعم، سوى أخبار رياضية أو أخبار العنف وحوادث السطو المسلح والقتل، ومن ثم فقد اعتدنا أن نقرأ رأياً في صفحة الثقافة هذه أو تلك لشيخ معمم يفتي في عدم جواز مصافحة شاعر قصيدة النثر. ولا يمر أسبوع إلا وتتصدى تلك الجريدة او هذه في حل قضية قصيدة النثر حلاً جذرياً عبر "امتحان" شعرائها بواسطة النقاد "الدكاترة" والشعراء البريئين من هذه القصيدة. وهكذا اصبحت قصيدة النثر العربية غائبة بسبب الجهل بها وبنتاجاتها المتعددة وبسبب تحويلها مادة للإثارة الصحافية، حتى لم يبق منها في أذهان الذين يشاغبون عليها ويتصدون لنقدها سوى التناقض في مسماها وصعوبة تقبل نتاجها داخل إطار الشعر، وبالتبعية. غاب شعراء القصيدة وحضرت سمعتهم السيئة لدى المؤسستين الإعلامية والأكاديمية المصريتين، من دون أن يسأل واحد من مثيري "المعارك" من هاتين المؤسستين: عن أي قصيدة نثر يتحدث وفي أي زمن.
امتداداً لهذا الارتباك، صدر أخيراً كتاب طريف يتجاوز الاربعمئة صفحة، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، الكتاب مثبت على غلافه البيانات التالية: "قصيدة النثر - عنوان رئيس - وتحولات الشعرية العربية" - عنوان أصغر - والمؤلف هو محمود ابراهيم الضبع.
من النظرة الاولى نجد ان الكتاب الذي يقع تحديداً في 408 صفحات من القطع المتوسط هو أصلاً بحث أكاديمي، يحتوي على خمسة فصول، يسبقها تصدير ويلحقها تعقيب، فثبت بالمصادر والمراجع. يأتي الفصل الأول تمهيداً تحت عنوان "حول مفهوم الشعر في الدراسات النقدية العربية ويحتل الصفحات من 19 الى 89 وفيه الفصول: "الوزن والقافيه ومفهوم الشعر - الشعر والغناء - بين الشفاهية والتدوين - الرواية والرواة - بين القرآن والشعر". ويأتي الفصل الثاني من ص 99 حتى 169 في عنوان "قصيدة التفعيلة وتطور مفهوم الشعر" وفيه الفصول: "مفهوم القصيدة التفعيلية - موسيقى الشعر التفعيلي - الشعر التفعيلي وانتهاك الضرورة الشعرية - الايقاع الشعري وقصيدة التفعيلة". ثم يأتي الفصل الخامس بعنوان "دراسة تطبيقية في شعرية النص" ويحتل الصفحات من 341 الى 372 وفيه الفصول: "تحليل نص من الشعر العمودي: قصيدة "عيد بأية حال عدت يا عيد" للمتنبي وتحليل نص من الشعر التفعيلي والمحال ليوسف نوفل، ثم تحليل نص من النثر الفني وهو "الضمير" للمنفلوطي.
أي أن ثلاثة أخماس الكتاب مبدئياً لا علاقة لها بقصيدة النثر وتطورها وتحولاتها، بل إن الجانب التطبيقي المتضمن في الفصل الخامس والذي حاول فيه الباحث أن يسجل ما يسوغ عنوان الكتاب وتحولات الشعرية العربية قد اتسم بسوء الاختيار الواضح في ما اختاره من نصوص للتحليل خلا قصيدة المتنبي بالطبع، فلا يوسف نوفل يمثل شعر التفعيلة ولا المنفلوطي - قطعاً - يمثل قصيدة النثر. وهنا لا بد من ان نتوقف قليلاً لأن النثر الفني ليس قصيدة النثر ولا يقوم مقامها، بل هو يمثل نظرة التقليديين الجامدة في الفصل بين الشعر التقليدي والنثر التقليدي، فالشعر عندهم عروض بالأساس، وما هذا الترتيب الذي وضعه الباحث إلا إشارة إلى غلبة التقليد وسطوته على البحث الجامعي لدينا وخصوصاً في ما يتعلق بالاتجاهات الشعرية الحديثة.
خلاصات غريبة
وبينما يخصص الباحث الفصلين الثالث والرابع من كتابه لتبيان تحولات الشعرية العربية في اتجاه قصيدة النثر، كما يشير عنوان كل من الفصلين، الثالث "قصيدة النثر من منظور النوع النووي" والرابع "قصيدة النثر وتحولات الشعرية العربية" نجد الناتج في الفصلين عجيباً!
في الفصل الثالث الذي يستغرق نحو مئة صفحة من الكتاب، يحاول الباحث جاهداً التقعيد لما سماه النوع النووي الشعري الذي يقوم من وجهة نظره على تحديد النوع الشعري في نواة هي عبارة عن علاقة لغوية يهيمن عليها غياب المرجع، وسمات تضاف الى هذه النواة وهي سمة تفتيت البناء الزمني وسمة الايقاع النغمي، وهذا - في نظر الباحث - هو المكون النووي للشعر الذي من دونه لا يكون هناك شعر. وعلى رغم أن الباحث يستخلص في نهاية هذا الفصل - الشديد العمومية والذي لا يتصدى لتحليل أو تفسير نصوص من قصيدة النثر - أن قصيدة النثر هي بالفعل نوع شعري جديد يمثل تطوراً من تطورات الشعر، إلا أنه يسوق هذا الاستخلاص وكأنه صك البراءة يُمنح تحت الضغط لمشتبه به ظل أربعين عاماً في السجن. وهذا الصك مشروط بعدم تقديم اعتذار او حتى دراسة الظروف والملابسات التي أدت الى هذا الخطأ الجسيم، المتمثل في الرفض المبدئي لرواد قصيدة النثر ثم انسحاب هذا الرفض على كل أجيال القصيدة في ما بعد. بل ان الطريف في هذا الفصل ان الباحث لم يدرس قصيدة نثر واحدة ليستدل بها على ما يسوقه من افتراضات نظرية، وقدم افتراضات في شأن قصيدة النثر من خلال ستة استشهادات لكل من: ذي الرمة، عنترة العبسي، يوسف نوفل، محمود درويش، أمل دنقل وأراغون. فعلى أي دعامة يستند صك البراءة الذي يعترف فيه الباحث لقصيدة النثر بأنها نوع شعري جديد يمثل تطوراً من تطورات الشعر؟
الأمر نفسه يتكرر في الفصل الرابع الذي يسوقه الباحث تحت عنوان "قصيدة النثر وتحولات العربية" ويشمل الفصول الآتية: أدبية قصيدة النثر - مفاهيم الشعرية وقصيدة النثر - لماذا قصيدة النثر - مغالطات قصيدة النثر - انتهاكات قصيدة النثر - الايقاع في قصيدة النثر - قصيدة النثر والنوع النووي - قصيدة النثر في مصر... كيف" ويستغرق هذا الفصل نحو ثلاث وخمسين صفحة وتأتي فصوله عبوراً سريعاً على عناوين براقة، هي عناوين الأبواب في هذا الفصل الأخير، الذي يتسم كسابقه بمغالطة أساسية تتمثل في ان الباحث الذي يتصدى لدراسة قصيدة النثر انما يدرس نماذج تفعيلية لكل من أحمد حجازي وعفيفي مطر، ويأخذ شواهده منهما ويختبر فرضياته على أسطرهما الموزونة العالية النغمة. ثم لا يتورع عن ذكر استخلاصاته في نهاية الفصل، بل انه لم يذكر في الكتاب كله سوى نموذج واحد من قصيدة النثر في بداية الفصل الرابع، كما لم يورد اسم شاعره، وتعامل معه باستهجان وتهكم مكرراً ما سبق ولاكه أسلافه من المحافظين، سواء في قاعات الدرس الجامعي - وهذا الكتاب نتاج هذه القاعات - او أسلافه من الشعراء المسؤولين عن المنابر والمؤسسات الثقافية والإعلامية. يقول في الصفحة 283 من الكتاب، الصفحة التي يسوق فيها شاهده الوحيد من قصيدة النثر من دون ان يرفق به هامشاً، مخالفاً بذلك تقاليد البحث، يقول معقباً على النموذج الشعري المجهول: "ويبقى التساؤل: هل هذا نص يمكن أن يحمل مسمى قصيدة النثر؟! أو ما أطلق عليه أخيراً "قصيدة النثر" وهل هناك في الأساس ما يمكن ان يسمى قصيدة نثر، ذلك هو ما يستدعي التناقض الدلالي فكيف يجتمع الشعر مع النثر والقدماء من علماء العربية يؤكدون فصل كل منهما عن الآخر".
في هذا السياق نستدعي شاهد "نيتشه" الذي بدأنا به ليدلنا كيف نضن بطاقاتنا ولا نبذرها في الدفاع عن أنفسنا أمام الفهم المغلوط، نقول: يكفي قصيدة واحدة من اوائل القصائد التي صاغها الرواد لتنسخ هذا التناقض المزعوم في المصطلح "قصيدة النثر" وليلتحم الشعر والنثر في ماهية واحدة يظهرها شاعر مثل توفيق صايغ في قصيدته الثامنة والعشرين من ديوان "ثلاثون قصيدة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.