إنْ حق لنا أن نصف قمة العشرين التي انعقدت خلال الأيام الماضية في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس فلن نجد أصدق وصف من أنها قمة الفارس العربي الذي جاء ممتشقًا قلوب شعبه ودعواتهم، جاء يحمل في جعبته تطلعات أمة، ترنو بشغف لتكون في مقدمة الدول اقتصاديًّا وعلميًّا وعسكريًّا، جاء بكبرياء وأنفة العربي وشجاعته فانحنت له الرقاب احترامًا، وتسابقت كل القيادات العظمى لتحظى منه بالتفاتة. نعم؛ فالعالم يقف احترامًا للأقوياء المؤمنين بأحقيتهم المطلقة في أن يصنعوا مكانتهم التي يستحقونها، وأن يصلوا للرؤى والأهداف التي رسموها. وهكذا كان حضور ولي العهد السعودي صفعة قوية في وجه كل من حاول تجييش العالم ضد المملكة إثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي؛ إذ إنهم سعوا لرفع وتيرة التهديد والتنديد بحضور سموه هذه القمة، وعمدوا إلى محاولة نشر فكرة العزلة السياسية التي سيواجهها ولي العهد السعودي أثناء وجوده، ولكن كانت المفاجأة موجعة لهم؛ فحضور ولي العهد لم يكن حضورًا عاديًّا, بل كان نجم القمة كما عهد منه، وكانت عدسات المصورين في سباق محموم لمتابعته. لقد نسي أولئك المرتزقة وتلك القنوات الأجيرة أن ذهاب ولي العهد السعودي لم يكن مقتصرًا على الوفد الرسمي معه، بل كانت ترافقه قلوب شعبه ودعواتهم. كان ذاهبًا وهو يحمل تفويضًا شاملاً من عشرين مليون سعودي وأكثر، يرون أن هذا الشاب الطموح هو قائد مسيرتهم للمستقبل، وأن كل المحاولات اليائسة في خلق صورة مشوهة له تجعل أعداءه يقعون في مستنقع مكائدهم, وهذا ما حدث؛ فالمملكة وقفت بكل هيبتها في مصاف الدول العظمى المشاركة في وضع السياسات والخطط لمستقبل العالم، ولم يهزها أو يؤثر على مكانتها كل ذلك اللغط من دويلات تفتقر لمفاهيم احترام النظام العالمي وسياسات الدول، بل إن أقصى خبراتها لا يتجاوز حياكة المؤامرات والرضا بأن يكونوا أداة يستغلها الآخرون لتدمير العالم العربي والإسلامي. إن موقف قيادات الدول العظمى في قمة العشرين الأخيرة تجاه المملكة العربية السعودية غير مستغرب؛ فهذه الدول تضع مصالحها الاقتصادية والأمنية في المقدمة، والمملكة تشكل ثقلاً اقتصاديًّا للعالم أجمع، واستقرارها هو استقرار للاقتصاد العالمي؛ فمن غير الحكمة لهذه الدول أن تخسر شريكًا قويًّا وفعالاً، يحترم الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ويضعها في مقدمة أولوياته. كما أن المملكة المستقرة هي أرض خصبة للاستثمارات العالمية، وهي شريك مهم في تفعيل كثير من السياسات التي تخدم التنمية على مستوى العالم، وداعم قوي للحلول التي من شأنها حل المشكلات الاقتصادية والأمنية والسياسية في المحيط الدولي. لن تتنازل هذه الدول عن استثمارات تضمن لها الاستقرار الاقتصادي، وشراكات تدر عليها موارد كثيرة من أجل الالتفات لغوغاء إعلامية، تصدر عن دول مفلسة سياسيًّا، تحاول أن تجد لها مكانة على خارطة السياسة العالمية باستثارة الرأي العالمي تجاه قضايا داخلية. دول كان الأجدر بها على غرار اهتمامها بقضايا في المحيط السعودي أن تهتم بحل مشكلاتها الداخلية المتمثلة بانهيار اقتصادي شامل، وشلل في مفاصلها، وتجاوزاتها الأمنية ضد شعوبها بدعوى حفظ الأمن، ومحاولة إنقاذ البقية المتبقية من اقتصادها واستقرارها بدلاً من إضاعة الوقت في لعبة خاسرة. المملكة وقيادتها ستظل عمودًا وركنًا أساسيًّا من أركان الاقتصاد في العالم، وستظل الشراكة معها هدفًا يتطلع له الجميع لخلق مستقبل مشرق، ولحفظ استقرار النظام الاقتصادي العالمي، وسيظل هدف أبنائها هو الوصول إلى أعلى مستوى لتحقيق الرؤية التي وضعوها لبلادهم للمستقبل القادم، وستكون أهداف رؤية 2030 واقعًا ملموسًا، يعيشه أبناؤنا في المستقبل القريب، وربما قبل الوصول إلى هذا التاريخ ستكون أهدافنا مكتملة ومنجزة - بإذن الله - وسنظل في سعينا المستمر لخلق أهداف ورؤى جديدة، وسنظل - بإذن الله - الأقوياء الذين يقف لهم العالم احترامًا.